المقالات

بيت العنكبوت

البعض في مجتمعنا يعتقد أنه بمجرد انتهاء مراسم عقد الزواج قد امتلك جارية خاصة له اشتراها بماله، فيبدأ بممارسة طقوس الاستعباد عليها وفرض الأغلال والقيود على تحركاتها؛ فيتدخل في طريقة حياتها ولباسها وعلاقاتها مع أهلها وصديقاتها ويضع طقوسًا خاصة عليها في طريقة التعامل مع أهله وأصدقائه ومجتمعه، ويتطلّب منها الرضا بكل شيء دون نقاش ودون جدال وكل ذلك في ظل انعدام لغة الحوار بينهما وكأنه ملاك مُنزَّل من السماء لا يُخطئ ولا يعترف بخطئِه أبدًا ويبدأ باتخاذ جميع القرارات عنها؛ وكأنها “سفيهة” لا تستطيع أن تتصرف في الأمور الخاصة بها حتى في صحتها ومالها وتعليمها وتربيتها لأبنائها، وتبدأ هي بتقديم التنازلات حفاظًا على مملكتها الجديدة التي طالما حلمت بها وخوفًا من حمل لقب “مطلقة” في مجتمع لا يرحم تلك الألقاب.
أولئك الأشخاص يحتمون تحت مظلة العيب والحرام والدين، وهم بعيدون كل البُعد عن تطبيق تعاليم ديننا الإسلامي السوي، ولو تأملوا جزءًا يسيرًا من سيرة نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في بيت واحد من بيوته -عليه الصلاة والسلام- لأدركوا معنى وقيمة وقدسية الزواج وكيف تُكرَّم المرأة في مملكتها لا أن تُستعبد.
هو -صلى الله عليه وسلم- مَن سابق عائشة -رضي الله عنها- فسبقته ولم يقُل عيبًا وحرامًا وماذا سيقول الناس؟! هو من حمل عائشة على كتفيه لتنظر للحبشة وهم يلعبون ولم يمنعها.. هو من بحث عن العِقد الذي تُحِبه عائشة عندما فقدته في أحد أسفارها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- هو من سُئِل عن أحب الناس إليه فقال “عائشة” ليضرب لنا أعلى وأسمى صور الحب والمودة والرحمة والاحترام والتقدير للزوجة.
هذا هو ديننا العظيم المتمثل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي).
أما اشباه الرجال ممن لديهم عُقدة النقص وحب السيطرة، ويحاولون ممارسة قوتهم ورجولتهم الغائبة في الخارج داخل منازلهم على نسائهن المغلوبات على أمرهن؛ ليتباهى أمام الناس بإنجازاته العظيمة المقتصرة في السيطرة على الزوجة والأبناء، وأنَّ كلمته فقط هي المسموعة وأوامره مجابة كسلطان ظالم يجلس متربعًا على عرشه، مستمتعًا بطغيانه وجبروته على شعبه المستضعف.
العنف الأُسري سواء كان جسديًا أو نفسيًا ضد الزوجة والأبناء هو ظاهرة موجودة في مجتمعنا على الرغم من كل جهود الدولة في الحد منه ومعاقبة مرتكبيه إلا أنَّ الكثير منه مستتر داخل البيوت لا يعلمه إلا الله…تُخفيه تلك القلوب الضعيفة الكسيرة خوفًا من بطش وتجبّر أولئك الذكور، ويتحمل المجتمع الجزء الأكبر من تفاقم ذلك العنف الذي يفرِض على المرأة الصبر على الزوج بكل مساوئِه الأخلاقية، فالمجتمع ليس لديه مكان لها.
تلك بيوت كبيت العنكبوت إلا أن الحال يختلف…فأنثى العنكبوت هي الأقوى والأكثر سيطرة في مملكتها، ومع ذلك فبيتها هو أوهن البيوت بسبب التفكك الداخلي وانتشار عنف الأقوى على الأضعف.
فرسالتي لكل زوجة معنفة لفظيًا أو جسديًا أو نفسيًا…دافعي عن حقوقك وحقوق أبنائك المسلوبة ولا ترتضي الذل والهوان من أشباه الرجال…احمي أسرتك من الحياة في أجواء سلبية تؤثر عليهم مستقبلًا.
لا تقدمي تنازلات تَمِس إنسانيتك وكرامتك للمحافظة على ظِلال رجل لا يستحق منكِ كل تلك التضحيات، ولا تبني بيتًا واهنًا كبيت العنكبوت.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button