يتساءل مراقبون أجانب: إذا كانت المشكلات الاقتصادية أشعلت غضب الجماهير في منطقة الشرق الأوسط، فلماذا بقيت السعودية ودول الخليج خارج المشهد المضطرب؟ فمن تونس إلى السودان، ومن العراق إلى إيران، خرج آلاف المتظاهرين احتجاجا على رفع أسعار الوقود والكهرباء والمواد الغذائية، وعلى البطالة وتردي الظروف المعيشية، نتيجة لسياسات داخلية وخارجية. ومع أن بلادكم رفعت الدعم عن منتجات الطاقة من كهرباء وبنزين، وأضافت على المستهلك ضريبة مضافة، ولم تحل بعد مشكلة البطالة، ولا انتهت الصراعات الإقليمية مع إيران وفي اليمن، لم يخرج إلى الشارع أحد؟ لماذا؟
قلت لهم إنه لا تصح المقارنة بين معاناة المواطن في البلدان المذكورة، خاصة إيران، ومستوى معيشة المواطن الخليجي. ففي الوقت الذي يهدر نظام الملالي موارد بلاده الهائلة من البترول والغاز والسياحة والزراعة والصناعة على المغامرات العسكرية الخارجية والعملاء والمليشيات الأجنبية، تكرس دول الخليج كل جهودها لحماية المواطن من المعاناة الاقتصادية. فكل قانون يصدر، وكل قرار يتخذ يكون هدفه رفاهية المواطن داخل وخارج البلاد.
وعلى سبيل المثال، فقد صدرت المراسيم الملكية العام الماضي لتعويض المواطنين عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، وذلك بإعادة جميع بدلات الرواتب بأثر رجعي، وإنشاء حساب المواطن الذي شمل نصف سكان المملكة. كما أصدر الملك سلمان -حفظه الله- مراسيم جديدة بداية هذا العام لتقديم بدلا غلاء لكل موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين (وتبعت ذلك بعض الشركات والبنوك) ولطلابنا في الداخل والخارج، ومنحة خمسة آلاف ريال لكل عسكري يدافع عن وطنه ضد مليشيات إيران، كما رفعت الضريبة عن قيمة البيت الأول. علما بأن الدراسة حتى المراحل الجامعية والعلاج الطبي مجاني للجميع، وخدمات الضمان الاجتماعي توفر الدعم للمحتاجين.
أما بالنسبة للبطالة، فإن جميع القرارات الأخيرة المتصلة بسوق العمل وأنظمته هدفها الأساسي توفير فرص العمل للمواطن. وحتى يتحقق ذلك، تدفع الدولة راتبا شهريا له، مع توفير دورات تدريبية ودراسية مجانية، ومساعدته للبحث عن وظيفة.
وهكذا فإن متوسط دخل المدرس الحكومي لا يقل عن ٨٠٠٠ ريال، ومن حقه الحصول على منحة أرض وقرض ميسر لشراء أو بناء مسكن. وبحال تعرضت منطقته لسيل، لا سمح الله، وغرق منزله وذهبت سيارته، فإن الدولة تقدم له مسكنا بديلا ومساعدة مالية لإعادة إصلاح بيته وشراء أثاث بديل، وسيارة بديلة. كما تضمن له حقوقه المالية في البنوك.
والسعوديون يدركون أن الحرب مع إيران حرب وجودية وليست اختيارية. وأن أبناءهم على الحدود الجنوبية يدافعون عن بلادهم ومواطنيهم وأسلوب حياتهم ضد مليشيات عقائدية تعيش خارج التاريخ وتسعى للسيطرة على بلاد الحرمين لصالح إيران، وهو أمر لن يقبله عربي أصيل مهما كان الثمن.
وإيران في المقابل، تقطع أو تخفض حتى المساعدات الغذائية لثلاثين مليون جائع لكي تصرف مليارات الدولارات على أتباعها العرب والآسيوين والأفارقة، وتنشر التشيع في بلدانهم، وتزعزع أمنهم وتعمل على قلب حكوماتهم المسلمة. وهي لا تفرق في ذلك بين نيجيريا السنية أو إذربيجان الشيعية، طالما لم تقبل بولاية الفقيه.
والمدرس الإيراني الذي يحصل على راتب شهري ٣٠٠ دولار (حوالي ١١٠٠ ريال) ويعيش مع زوجته ووالديه وأبنائه في بيت من الصفيح، لا بد أن يشعر بالغبن عندما يكتشف أن اللاجئ الأفغاني يحصل على ١٥٠٠ دولار ليحارب في سوريا إضافة إلى السكن والأكل والعلاج والمواصلات. وفي الوقت الذي تتعذر فيه الحكومة عن توفير مسكن لائق له، أو تأمين العلاج لأسرته، أو حتى إصلاح مدرسته، تنفق عشرات المليارات على دعم النظام السوري ومليشيات الحوثي وحزب الله والحشد الشعبي. وفيما لا يجد فيه المسكين وقودا كافيا لمواجهة الشتاء القارص، يستعرض الجيش قدراته النارية وتنطلق في سمائه الصواريخ الباليستية التي لم تعد عليه إلا بعداوة العالم والمقاطعة الاقتصادية.
وبدلا من أن تخفف الحكومة معاناته نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والطعام والخدمات الطبية، تنهار بنوك الحرس الثوري وتفلس مشاريعها السكنية وتذهب استثمارات المواطن وإيداعاته مع الريح. وعندما يذهب للجهاز القضائي للشكوى يكتشف أنه جزء من منظومة الفساد، وأن رئيسه صادق لارجاني، وحده، لديه ٦٣ حسابا بنكيا، وأن ثروة المرشد الأعلى تفوق المئة مليار دولار. أما إذا تعرضت منطقته لواحدة من المئة هزة أرضية التي ضربت البلاد، فإنه ينصح بالشكوى إلى الله سبحانه وتعالى، أو إلى الإمام الحسين، رضي الله عنه، لأن الحكومة مشغولة بالمؤامرات والحروب الخارجية، وليس عندها لا يد تمدها له ولا حتى أذن تسمعه.
وماتبقى له من ثقة وإيمان في الثورة الخمينية التي وعدته بالعدالة السماوية والجنة الأرضية سيفقده حتما عندما يستمع للولي الفقيه وسدنة النظام يتهمونه بأنه عميل لاستخبارات أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات ومخترق من داعش والقاعدة.
واختتمت ردي على زملائي الأجانب بالتنبيه إلى أن المقارنة بين ظروف المعيشة للمواطن السعودي والإيراني، كالمقارنة بين حياة الأمريكي والسوفيتي قبل سقوط الاتحاد السوفيتي. صحيح أن كليهما يطالب بالمزيد، إلا أن أحدهما راض بما لديه، والآخر ليس لديه ما يخسره!