سمة التطوير والتغيير في نمط الحياة ومتطلباتها، هي سنة كونية لابد من حدوثها واستيعابها، وهي سمة طبيعية لنمط العيش واحتياجات الإنسان وتوافقه مع العصر الذي يعيشه، فجميع المظاهر الحياتية ليست ثابتة على منوال واحد مهما حققت تلك المظاهر من القبول والنجاحات الآنية في فترة زمنية لدى المجتمع، ففي النهاية لابد من التطور والتدرج إلى الأحدث حفاظًا على سمة الديمومة العصرية التي تناسب المجتمع في كل عصر…ما دعاني إلى هذه المقدمة، هو رأي مفكران وكاتبان كبيران في الإعلام السعودي نشرته صحيفتنا الموقرة مكة الإلكترونية، وهما الدكتور فهد العرابي والدكتور توفيق السيف، فقد أجمع الاثنان على احتضار الصحافة الورقية واقتراب وفاتها لعدم تناسبها مع إيقاع العصر السريع ومتطلبات الجيل الجديد، وبالتالي فإن الصحافة الورقية تمضي إلى مسار الوفاة حتى ولو دعمت ماليًا، فالدعم المالي كما قال الدكتور فهد هو مجرد مسكن للحالة وليس علاجًا جذريًا…أتفق مع الكاتبين الكريمين، وأؤكد على رأيهما بهذا الخصوص، فيما يتعلق بأفول القراء عن الصحف الورقية، وأنا كقارئ أول الآفلين، فقبل بداية الإعلام الجديد المتمثّل في أدواته المتعددة من تويتر وفيس بوك وصحافة إلكترونية وواتس أب، كنت من عشاق الصحافة الورقية، بل ومن المدمنين على قراءتها يوميًا، وكنت لا أكتفي بصحيفة واحدة وإنما بمعدل أدنى ثلاث صحف يوميًا، ومن قوة عشقي وإدماني على الاطلاع والمتابعة اليومية، كنت أثناء سفري من جدة إلى قريتي البعيدة التي لا تصلها الصحف إلا نهاية اليوم وقد لا تصل في أغلب الأحيان بسبب بُعد المسافة وتأخر البريد، أقول كنت أثناء ذلك أسند مهمة شراء الصحف التي عشقتها إلى ابني المتواجد في منزلي في مدينة جدة، فيشتريها يوميًا ويركنها لوالده حتى عودته من السفر !! هذا حالي كقارئ عاشق للصحافة الورقية في عز رواجها وبهرجتها الجاذبة في تلك الحقبة الزمنية الآفلة، وبعد أن بدأ الإعلام الجديد بجميع أدواته، تغيرت الأفكار والرغبات، واكتسح هذا الإعلام الجديد الميدان وغير الاهتمامات والتوجهات، فاتجه الرأي العام بأكمله إلى هذا الإعلام الطاغي الذي ابتلع الورق ولم يعد له أي وجود، وبالتالي جذب القراء لهذه النوافذ الجديدة الفورية والخالية من تعقيدات النشر ومقص الرقيب، وأمام هذه الحالة الواقعية من التغيير الإلزامي والتحول الإعلامي الإلكتروني كنت – كغيري – من القراء، ضمن المهاجرين والمحجمين عن الإعلام التقليدي، ولم يعد للصحافة الورقية لدي أي حضور، ولا أبالغ لو قلت بأن آخر عهدي بالصحافة الورقية هو منذ بزوغ فجر الصحافة الإلكترونية.
د. جرمان بن أحمد الشهري.