“العاطفة سلف ودين” مقولة صادقة آلمتني وحركت مشاعري، بل أيقظتها من سباتٍ عميق ..
هي حقيقة يجب أن نُدركها جميعًا .. بقدر ما نُعطي من المشاعر والعواطف سيكون المقابل! وبقدر ما نزرع من الورد سنجني الحُب، وبقدر ما نزرع من الشوك سنجني القسوة ..
هناك الكثير من الآباء والأمهات يمارسون الجفاء مع أبنائهم وأحيانا العنف والقسوة بِحُجة (نحن أعلم بمصلحتهم) أو (تربينا هكذا) أو (الدلال يُفسدهم) ويبخلون عليهم بأبسط حقوقهم ألا وهي الحب والحنان والاحتواء العاطفي الذي هم فعلًا بأمس الحاجة إليه في جميع مراحلهم العمرية،
وبعد مرور السنوات وركض الأيام بسرعتها الهائلة، يتفاجأ الوالدان بوجود فجوة عميقة بينهم وبين أبنائهم وجفائهم وبُعدهم عنهم .. قسوة عاطفية ولكنها أبعد ماتكون عن العقوق، فهناك فرق كبير وشاسع بين العقوق والقسوة، فأولئك الأبناء يقومون بمهامهم وواجباتهم في البِّر تجاه والديهم على أكمل وجه، وكما أمرهم الله -عز وجل- وبكل احترام وتقدير، ولكن بروح كسيرة خالية من المشاعر، فاقدة للتقارب الجسدي والروحي بينهم، كالغرباء تمامًا …
فلا تلقوا باللوم عليهم فتلك قلوب قد تشرَّبت الجفاء حد الاكتفاء ..
فأنتم اليوم تطلبون منهم ماعجزتم عن إعطائهم إياه بالأمس، فلا تلومونهم على تلك الفجوة التي حفرتموها بأيديكم، فأصبحت قلوبهم خاوية من المشاعر وكما قيل “فاقد الشيء لا يعطيه”،
هناك نظرية في علم النفس تُدعى (نظرية التعلُّق) ترى أن الطفل بحاجة إلى تكوين علاقة مع شخص واحد على الأقل من مقدمي الرعاية؛ لكي يحصل على النمو العاطفي والاجتماعي بطريقة طبيعية، فهي تشرح كيف تؤثر علاقة الطفل بأبويه على نموه، فعندما يفقد الطفل تلك العلاقة الطبيعية بوالديه سينشأ في بيئة تخلو من المشاعر الإنسانية الفطرية اللازمة لتكوينه العاطفي مما يولد لديه شعور بفراغ داخلي كبير وأحاسيس غامضة تُلقي ظلالها القاتمة عليه وترافقه في كل مراحل حياته، سيظل ذلك الشعور يجتاحه في كل حين ويزداد كلما كَبر، لن يستشعر مرارة هذا الحرمان العاطفي إلا من ذاق اليُتم على الرغم من وجود والديه على قيد الحياة، فقد عاشت تلك القلوب منذ الصغر حرمانا عاطفيا قاسيا فظلَّت متعطِّشة للحب، حالمة بحضن دافئ، متشوِّقة لكلمة، لابتسامة، لدعوة، ولكنها بقيت تنتظر طويلاً على رصيف الحياة المتهالك حتى كَبُرت وقست جدرانها واُقفِل عليها بإحكام .. لتصبح إما قلوبٌ كالحجارة بل أشد قسوة أو تصبح قلوب هشّة ضعيفة تنجرف وراء أي كلمة حب غامضة تأتيها من العالم الخارجي المظلم، نحن من نُشكِّل قلوب صغارنا الرقيقة وننسجها كما نشاء، ونغزلها بخيوط الحُب الفطري لنُخرِج بها أجمل وشاح يُدفئنا غدا في شتاء الكِبَر ويحمينا من ثلوج العمر إذا هَرِمنا،
لا تجعلوا أبناءكم يمارسون معكم البِّر كواجب ديني بمشاعر فاترة راكدة بلا حراك ..
-ألم يَأنِ الوقت لنطلق العنان لعواطفنا المسجونة ومشاعرنا المكبوتة، ونقول لفلذات أكبادنا “نحبكم”
-ألم يأنِ الوقت لنُشعِرهم بقيمتهم واحتلالهم للجزء الأهم من حياتنا! وأننا نعيش بهم ولأجلهم ..
-ألم يأنِ الوقت لنقول لهم ” كم أنتم رائعون وكم نحن فخورون بكم”
رسالة إلى كل أب وأم ألهتهم الدنيا عن أبنائهم ..
أعيدوهم إلى أحضانكم فمهما كبروا فمازالوا بحاجة لتلك الأحضان الدافئة والدعوات الصادقة..
رفقا بقلوب أبنائكم .. أسقوها اليوم بالحب والاحتواء حتى ترتوي أرواحكم منها غدا.
0