كأنك تلمس هذا الأوبريت وتلك الإستعراضات وذلك التاريخ
كأنه مادة مكثفة من زمن وحقائق ورسائل و إستحضار للتأكيد على الفن والثقافة كقوى ناعمة تغرس المعاني العظيمة التي ترتكز عليها وحدة الوطن.
مزيج هائل من التراث والأزياء والرقصات والأداءات الدرامية المعبرة والتشكيلات والاضاءة واللون والموسيقي والمؤثرالبصري والتقنية الحديثة التي صنعت مشهدية بصرية غنية وجعلت لليل الجنادرية وهجه الخاص ولحفل إفتتاحها دهشة في نفوس الحاضرين وخدر لذيذ في وجدانهم
أفضت بهم إلى مناخات خلابة من الغناء واللوحات التي شحنت صوت الراوي وحناجر المطربين ورقصات المؤدين بمزيج من الزهو والشجن والانفعالات المنفلتة من كمونها ممتزجة بسحر موسيقي طاغ وإيقاع العرضة والألوان الشعبية التي تدفع الأجساد الراقصة إلى أقصى تموجاتها واضطرامها بالشغف والسمو.
لتجعل من الليلة ساعات سمان ملأى بالحركة والتشويق البصري حين تتآزر معا لترسم مشهدية مؤثرة
يقبل الراقصون علينا من عمق المسرح ثم ينتشرون في أرجاءه بإنسيابية فيما المؤدون ينسلون بخفة من بين الجموع ليتصدرون المشهد محتلين أرجاء متعددة من الخشبة ثم لانلبث طويلا حتى تتهادى الموسيقى
لياتي صوت يروي لنا حكاية مجد أمة وحب وطن وريادة أئمة وملوك تحفهم صوت صليل السيوف وحوارات الشخصيات وقفزات الأطفال ومشاهد الإيماء فيمتليء فضاء العرض
وتتبدد وحشة الخشبة بحشد كبير من المعينات واللقطات السينمائية والأجساد التي تبث ذبذباتها في ارجاء المكان تشعر معها وكأن كائنات سرية قدمت من كوكب آخر ومن فضاءات علوية أحدثت ذلك المشهد المهيب.
صناعة المشهد في حفل افتتاح مهرجان الجنادرية وفي أوبريت أئمة وملوك كانت بارعة
شعرت وانا اتابع الاوبريت وكأن الزي الكلاسيكي والحقيقة التاريخية ومخملية الضوء وارستقراطية التقنية نزلت جميعها لتمتزج مع رغباتنا وحنينا وإعتزازنا وفخرنا وعمقنا التاريخي وعراقة دولتنا لتمتزج بلهاث المسافر عبر الصحراء ممتطيا راحلته
وتعب تلك الأيادي التي تجمع سنابل الشمس على ضفاف الأودية وفي رؤوس الجبال
ليتحول مزيج الموسيقى والرقصات والضوءمن أدوات للفرجة إلى صيغ للحياة والأفكار وعالما موازيا من التفكير العميق في اسباب وحدتنا واصطفافنا مع قادتناودسائس أعدائنا وهكذا تستغل الثقافة والاحتفالات بوعي حين تحمل رسائل وطنية معبرة عن عظمة المنجز وعن قيمة الوحدة ونهج القيادة الراسخ والذي قام على كلمة الإخلاص والتأكيد على ريادة الأوائل في خوض اول حرب تحريرية في العالم العربي ضد المحتل في شخص الإمام تركي بن عبدالله والوقوف إلى جانب المضيوم وأمان الخائفين والتحلي بالقيم الأصيلة
كل هذا معتمدا على لغة الإيحاء اللذيذ حين يرقص المسرح متماهيا مع ذلك الشعور الذي سربته الحالةالشعورية التي تتخلق فوقه لنرى رأي العين حيوات آخرى أمامنا حين يتهادى المؤسس عبدالعزيز ماشيا فوق الخشبة إفتراضيا عبر تقنية 3d ليجهش خادم الحرمين الشريفين بالبكاء في لحظة مؤثرة تؤكد أن الاوبريت كان عميقا بقدر يتجاوز الوصف وكأنما من صنعه قد جعله اوبريتا ناطقا يقص علينا أخبارا جرت قبل مئات السنين ومن أزقة الزمن الغابر ومن آفاق المستقبل في جو غلب عليه الإحتفالية والأناقة والصخب اللذيذ والفخر العظيم بوطن نحبه مرددين مع البدر مقطعه الأجمل :
ازرعيني ورد … جرديني سيف
أتركيني اسهر .. في عيونك طيف
علميني الصبح .. علميني الليل
فجري حبك… في ضلوعي سيل
أنا أحبك حيل .. يا السعودية
0