يحتفل كثيرون في بلادنا – ولا سيما الشباب – يوم 14 فبراير من كل عام ميلادي بما يسمى بعيد الحب أو (فلنتاين)، فيذهبون إلى الحدائق العامة، وينتقون الأحمر من الثياب، ويتبادلون القلوب وبطاقات التهنئة والهدايا والورود الحمراء؛ احتفالاً بهذه المناسبة (الحمراء)!
ولعل كثيراً ممن يحتفلون بهذه المناسبة هم في حقيقة أمرهم مقلدون، لا يعرفون أنها تمثِّل تخليداً لذكرى القديس (فلنتاين) الذي عاش في القرن الثالث الميلادي إبان عهد الإمبراطورية الرومانية التي كانت وثنية حينها، فكان يزوِّج للشباب سراً بعد أن أصدر الإمبراطور كلوديس الثاني قراراً بمنع الشّباب من الزّواج؛ لاعتقاده بأنّ الرجال المتزوّجين لا يمكن أن يكونوا جنودًا أكفاء!
وحين علم الإمبراطور بأمر القديس فلنتاين، عرض عليه العفو مقابل تخليه عن النصرانية ليعبد آلهة الرومان، ومن ثم يكون عنده من المقربين، ويجعله صهراً له، إلا أن فالنتاين رفض ذلك وآثر النصرانية، فكان أن نُفِّذ فيه حكم الإعدام يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير عيد (لوبركيليا)!
ومن يومها أُطلق عليه لقب “قديس”! وسمِّي العيد في 14 فبراير بعيد القديس فالنتاين إحياءً لذكراه؛ لأنه فدى النصرانية بروحه ورعى المحبين!
وهنا ثمة أسئلة بدهية تطرح على المحتفلين بهذا العيد:
إذا كان فلنتاين فدى نفسه من أجل الدين النصراني – وليس من أجل الحب كما هو شائع؛ بدليل أنه قتل لأنه تمسك بالنصرانية وليس لأنه أصر على تزويج المتحابين – فلماذا نحتفل بهذا العيد ونحن مسلمون، حذَّرنا الله تعالى من اليهودية والنصرانية، وبيَّن لنا فساد معتقد المعتنقين لها وتحريفهم لما أُنزل فيها؟!
وإذا كان الإمبراطور كلوديس الثاني قد منع الزواج، فهل لدينا منع للزواج حتى نخلِّد ذكرى هذا العيد؟
ثم إن هذا العيد كان تخليداً لذكرى الحب القائم على الزواج، فلماذا نجد أن أغلب المحتفلين بعيد الحب ممن لم يجمع بينهم رباط الزواج الشرعي؟!
ولماذا نقصر الحب على يوم واحد فقط، بدلاً من أن نصحبه معنا طيلة أيام السنة، بل طيلة العمر،؟! وأعني بذلك الحب الشرعي لا القائم على العلاقات المحرمة؟!
ومن ثم أقول: إننا لسنا بحاجة لاستعارة الحب من الأديان الأخرى؛ لأن الحب من صميم عقيدتنا، فالحب في ديننا يدور في فلك الحب الإلهي، فلا يحب لذاته إلا الله تعالى كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى.
فالحب في الله يمثلِّ أوثق عُرى الإيمان، بأن نحب من يحبه الله وما يقربنا إليه، ونبغض في المقابل ما يبغضه الله وما يبعدنا عنه.
ثم إننا لسنا بحاجة إلى قدوات تعلِّمنا الحب ولدينا أسوتنا الحسنة وقدوتنا المثلى في الحب: حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يُخفِ حبه لزوجته عائشة رضي الله عنها حين سأله الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر) رواه البخاري (4010).
فمن منا اليوم يصرِّح بحب زوجته إذا سئل عن أحب الناس إليه؟!
كما أن الأعياد في شريعة الإسلام توقيفية، حصرها النبي عليه الصلاة والسلام على عيدي الفطر والأضحى.
ففي الحديث (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر) رواه أبو داود (5982).
كما أن التشبه والتقليد دليلان على المحبة، وهذه المحبة تقدح في عقيدة المسلم، فالله يحذرنا صراحة من موالاة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الملل الأخرى، ويخبر أن من يتولَّهم فإنه منهم ويُلحق بهم، والموالاة تفيد المحبة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
ويُخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من يتشبه بقوم فهو منهم، وأن الإنسان يُحشر يوم القيامة مع من أحب، فمن أحب النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة والتابعين لهم بإحسان، واقتدى بهم قولا وعملاً واعتقاداً؛ حُشر معهم يوم القيامة.
أما من أحب غيرهم من أهل الأديان الأخرى والعقائد الفاسدة والمعاصي والمجون، وقلَّدهم في كل صغيرة وكبيرة؛ فإنه يحشر يوم القيامة معهم عياذاً بالله!
وفي الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031)، وفي حديث: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) متفق عليه.
فهل يحب أحدنا أن يحشر يوم القيامة مع قس نصراني نحتفل ببطولاته المزعومة ونمجد ذكراه؟!
ثم إننا إذا اتبعنا الغرب في كل ما يُمليه علينا، دون تمييز وانتقاء بين غث وسمين طمسنا هويتنا، وقدحنا في عقيدتنا، وكان ذلك مصداقاً لحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي تنبأ بأن بعضنا سيتبع اليهود والنصارى اتباعاً أعمى، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخله! وما يسمى بعيد الحب ليس في حقيقته إلا أحد هذه الجحور الخربة الكثيرة التي دخلناها!
إن المسلم حقاً وصدقاً ينبغي أن يعتز بعقيدته وهُويته وقيمه المستمدة من شريعة الإسلام الغراء التي قال الله جل وعلا عنها: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
وأن لا يتبع كل ناعق، فإن كان متبعاً ومقتدياً فليقتدِ بالنبي عليه الصلاة والسلام ومن كان متَّبعاً له؛ امتثالاً لقول الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].