سكبتُ في خفقةِ الأشواقِ تحنانا
وفضتُ وصلًا لمن ينوون حرمانا
لا ترتمي في رياضِ الشعر قافيتي
إلا قطفتُ لها وردًّا وريحانا
ولا تُخيمُ في أرجاءِ ممرعةٍ
إلا غدتْ تسحرُ الألبابَ أفنانا
أراقبُ النبضَ دومًا في تسارُعهِ
حتى أصيِّرُهُ للشعرِ ميزانًا
وأمتطي صافناتِ الفنّ منتشيًا
وفوقَ أظهُرها شيّدتُ بنيانا
كأنني أمتطي خيلاً لمعركةٍ
وتمتطي الخيلُ أرواحًا وأبدانا
فالفنّ ساحةُ حربٍٍ في حقيقتهِ
يُقيمُ بين الهدى والغي فرقانا
أرمي به كلَّ شيطانٍ وزمرتِهِ
وفي حمى الشعرِ ما قاتلتُ شيطانا
يُفككُ الشّعرُ تعقيداتِ مَن نفثوا
ويصطفي بحلالِ السحرِ إنسانا
أنا المحبُّ ، وشعري لافتاتُ هوى
أطرافُها الكونُ ، بل تحتاجُ أكوانا
والنفسُ إن أسمعتني صوتَ عاذلةٍ
أسمعتُها وترًا عذبًا وألحانا
وإن رمتني بداءٍ عند ثورتها
جزيتُها من نعيمِ الصفحِ إحسانا
وإن أحاطتْ بها ألوانُ أغربةٍ
وهبتُها من صنوف الحسنِ ألوانا
تضيقُ أرجاءُ أنفاسي بما رحبتْ
فيُشعلُ الحرفُ في جنبيَّ نيرانا
وأنسجُ الحبَّ في أنحائها أملًا
يُحوِّل البقعةَ الجدباءَ بستانا
تحيا المعاني وتنمو حين نُلبسها
ثوبَ الوقار ؛ وتحمي فيه أوطانا
أقولُ للنفسِ : صدّي كلّ ناعقةٍ
تبثّ في ظلمة الآلام بهتانا
ولتطمسي كلّ عينٍ شابها رمدٌ
ترى الكمالَ بعين البغضِ نقصانا
ولْتُلقمي حجرًا في كل حُنجرةٍ
ضَجّتْ ؛لتهدم أسوارًا وأركانا
تهذي الشياطينُ والأحزابُ مصغيةٌ
وتملأ الكونَ أفواهًا وآذانا
لا أكثرَ اللهُ من أمثالهم بشرا
سدوا الفضاءَ وعاثوا فيه طغيانا
لا فض فوك سعادة الدكتور عبد الله الزهراني
شاعر لا يشق لك غبار قلت فأبدعت
النص في مجمله إبداع ، وقد اخترتَ قافية عذبة سهلة تجلى فيها الإبداع والإلقاء ، لغة الخيل وصورتها لم تغب عن عينك ، ولامرىء القيس تأثيره عليك ، أحسست أن النص موجهٌ لفئة ما فتئت تغتال أحلام الوادعين (أرمي به كل شيطان )، الحلم غلب على طابع القصيدة الهادئة ، وذلك في أول النص ، وكأنك ضقت بهم ذرعًا ثم كان الانفعال (ولتلقمي حجرًا )، اللغة الشعرية سهلة ممتنعة والصور قريبة والمعاني عميقة ، جميل أن تتجلى الشاعرية برؤية عاشق للرفعة يتوشح السؤدد ، وفي آن تكبح جماح (النفس) التي حضرت برباطة جأشها وعنفوانها ، وهي في قيد السكون ، هناك مفارقة عجيبة في مطلع النص وخاتمته ، فالدموع والوصل تشكيل للصورة المتخيلة في بداية النص ، وبين الدعاء المصبوب صبًا في آخر بيت ، أيضًا هناك مساحة شاسعة للتفاؤل في ثنايا النص ما لبثت أن تلاشت لتصطدم بروائح الهدم والدمار (لتهدم أسوارًا وأركانا ) ، وللثنائيات حضور ملفت (وردًا وريحانا -أفواهًا وآذانا – أرواحًا وأبدانا ) ، والثنائيات عادة ما تحمل شحنات عاطفية متموجة ، يتخللها صراع الوجود والعدم ، ينضاف إلى ذلك حالة التنازع النفسي لهيمنة القوة الفاعلة في وشائج النفس الممضة ، والضدية عمود تلك الوشائج ، ولكن الدكتور عبدالله ألهب حماسه تلك الضدية فتجاوزها من الضد إلى الترادف ، فتشكلت لوحة فنية متناسقة ، غلب التفاؤل على أولها -كما أسلفت- والحذر المشوب بالضمير المؤنب تارة أخرى ، النص جميل ويحمل شحنات عاطفية ممزوجة بالعتاب وأحيانًا خيبة أمل .