ما أَجْمَل أَنْ يُولَد الإنسان وقَد مُزِجَ دَمُه ولَحْمُه بِصِلَة ذَوي الرَّحِم، ويَعِيش حياته في رَوْضَة من رياض التَّرَاحُم والتَّواصُل والتَّنَاُصح والعَطَاء، رَوْضَة تُشْرِق فِيهَا شَمْسُ الْعَطْف والحَنَان، شَمْسُ الْحُب والبَشَاشَة وطَبَائِع الخَيْر الَّتي تَمْلُكُها الْقُلوب السَّليمَة، كَقَلْب الشَّيْخ الشَّرِيف محمد عبدالله المهدي-رحمه الله-الذي غَاَدر دُنْيَانا هذا اليوم، لِتَفْقِد بِرَحِيلِه صِلَة الرَّحِم أَحَد رِجَالاتِها المخْلِصِين الْأَوْفِيَاء، وأَكْثَرِهِم نَصَاعَة وَدَمَاثَة خُلُق، وصَفَاء قلب…
لقد كان الفقيد أحد الرجال القلائل الذين مُزِجَتْ دمائهم بِصِلَة الرَّحِم والاهتمام بأمور الأهل والمجتمع، فَظَل طِيلَة حياته تَسُوقُه المروءة وتَسُوسُه الرَّحْمَة على أَثَر السَّلَف الصَّالح، لا يريد بأفعاله جزاءً من أحد ولا شكورا….لأنه فُطِر على صِلَة الرَّحِم وبَذْل الجُهْد في حَمْلِ النَّاس عليها، فَوَجَد القبول والاحترام من جميع من عَرَفَه، وحَسْبُ الإنسان من لَذَّة الْعَيْش وَهَنَائِه في هذه الحياة قلوب تَخْفَق بِحُبِه، وأَلْسُن تَهْتِف بذكره.
أبِيتُ وهمتي فوقَ الثريَّا
عديمَ المثل في شَرفِ الفعال
ولَستُ أُسيء بالأيام ظَنّي
إذا أصبحت محمود الخصَال
إن المُتَتَبِّع لحياة هذا الشيخ-رحمه الله-يجد أنه من الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (والَّذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سوء الْحساب)(الرعد:21)؛لأنه رحمه الله- كان لا يَتَصَوَّر أن الإِنْسَان إِنْسَان حتى يكون واصِلا لِرَحِمِه؛ لأنه لا يَعْتَقد أن هناك فَرْقا صحيحًا بين الإنسان والحيوان إلا صِلَة ذَوِي الرَّحِم التي تَرَك رَحِيلُه فِيهَا فِراغا عَزَّ أَنْ يُسَدّ.
ويعلم الله أني لَأَكْتُب هذا المقال ولا أملك نفسي من البكاء والنشيج، ولا أنسى ما حَييِت نصائحه لي قبل أن يودع نَسَمَات الحياة، بقوله:إن صِلَة القرابة والإحسان إليهم من أعظم الْقُرُبات، وأنفع الأعمال التي يكون بها صَلاح الأسرة والمجتمع، والْقَاطِع لِصِلَة الرَّحِم مُنْقَطِع من رحمة الله، والرَّحِم يجب مُواصَلَتُها بالتَّوادُد، والتَّنَاصُح…
أخي القارئ إن كان صَحيحًا ما يَتَحَدَّث به النَّاس من سَعَادة الحياة وطِيبِها وغَبْطَتِها ونَعيِمِها فَلْتَكُن سَعَادَتُك فيها أَنْ تَعْثُر في يَوْم من أَيّام حياتك بإنسان يَصْدُقُك النُّصْح،إِنْسَان شَريِفُ النَّفْس، لا يَطْمَع في غير مَطْمَع شَريف القلب، فلا يَحْمِل حِقْدًا ولا يَحْفَظ وترًا، ولا يُحَدِّث نَفْسَه في خُلْوَتِه بغير ما يُحَدِّثُك به،شَريف الحب، فلا يحب غير الفَضِيلَة، ولا يَبْغَض غير الرَّذِيلَة…كالشيخ محمد عبدالله المهدي-رحمه الله-. فاللَّهُم ارْحَم غُرْبَتَه، وآنس وَحْشَتَه، واسْتُر عَوْرَتَه، يوم تَنْكَشِف الْهَنَّات والسَّوْءات.