لم أكن اتوقع على الإطلاق أن يأتي علينا يوم تكون فيه أقدس بقعة في الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين؛ مكة المكرمة، هدفًا للسخرية والقول العابث، والتهريج من “متظارف”، ظنّ جهلاً أنه يقدم مادة كوميدية من منصة الـ”استناد أب كوميدي“، غير مفرق بين ما طرحه من “تهريج” يصل إلى حد “المقردة”، وبين أساسيات هذا الفن الجميل، والمصيبة الأعظم لم تكن فيما طرحه من ترهات، بل في الجمهور الذي كان يستمع إلى ذلك الهراء وهو في غاية النشوة و”الانبساط”، معطيًا ذلك “الأراجوز” مزيدًا من الوقود ليمضي في سقوطه المدوي.. ولم “يتفضّل” أي أحد من الحاضرين بالاعتراض على ذلك السقوط الشنيع، والمطالبة بوقف تلك المهزلة!.
كل شيء في ذلك المقطع المصور الذي يتم تداوله عبر قناة اليوتيوب، كان يكشف عن ضحالة “شاكر الشريف”، وسطحيته، وفقر محتواه، ولم أكن لأتناوله بالحديث لو أنه مارس هذا السقوط على المستوى الشخصي، فالمرء حيث يضع نفسه، وطالما أنه رضي أن يكون “أراجوزًا”، همه إضحاك الناس بمثل هذا السخف، ومسخرة الذات، توسلاً لمتعة سامعيه ومتابعيه، فلا أسى عليه، ولا أسف، ولكن أن يتمادي إلى القول بأن أهل مكة المكرمة يخجلون من الانتساب إلى مدينتهم العظيمة، ويستبدلونها بالانتماء إلى مدينة جدة، حين يسألون؛ فتلك والله سقطة السقطات، وفرية لابد من الرد عليه، فأهل مكّة الكرام يعلمون أوثق العلم بالنعمة التي أولاهم الله إياها بجعل نسبتهم الجغرافية إلى أحب البلاد إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا فهم أشد حبًّا لمهبط الوحي، ومشرق الأمة، ومهوى أفئدتها، فانتسابهم إليها انتساب شرف، ومحبتهم لها محبة إيلاف ومودة، وفخرهم بها فخر إعظام للمكان بكل حمولته التاريخية والدينية، ولا تجوس خطاهم على ثراها بحثًا عما يبحث عنه “شاكر” ورهطه من “الضاحكين”، فتلك غاية سفلى تكشف عن همة صاحبها الفاترة، وضحالة نفسه التي لا تكاد تخرج عن الهوام والسوائم؛ إلا بكونها واقفة على قائمين، بينما الأخيرة مطمئنة على قوامها الأربعة في ثرى البسيطة، ولها عليه الفضل بعد ذلك بالصمت والارتفاع عن الجهل والخنا..
مؤسف أن يكون هناك ابن من أبناء هذا الوطن الغالي، ينظر إلى أقدس بقعة في الأرض بهذه النظرة الدونية، ومؤسف أن يكون هناك من يسمع إليه، ويضحك مما يقوله، ومؤسف أن يمتلئ اليوتيوب بمثل هذه المقاطع المزرية، فثمة شباب في عمر “شاكر”، بل ودونه، في كل أقطار الدنيا، ممن شهدوا لله بالوحدانية الحقة، ولسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصدق الرسالة، يتحرّقون شوقًا لزيارة مكة المكرمة، وتكحيل العينين برؤية بيت الله الحرام، وزيارة المدينة المنورة، حاديهم الشوق، وباعثهم الحب، ملء جوانحهم تقديس للبقاع الطاهرة، ومعرفة وثيقة بفضلها، وقراءة بصيرة بتاريخها وحاضرها.. فيا لعظم الأسف حين يقبل علينا أولئك المحبون من الشباب حجاجًا ومعتمرين وزوارًا، ويكون “شاكر” مثالاً أمامهم لشباب ينتسبون إلى هذا الوطن المخصوص بالرحمات والتشريف.. فلا حول ولا قوة إلا بالله..
كاتب وباحث أكاديمي