كانت طفلة صغيرة. لا تعرف من الدنيا إلا بيتها الصغير .. و لا تعرف من الناس إلا والديها .. ولها من الأصدقاء الكثير .. تسامرهم وتلاعبهم .. وتنسج معهم أجمل الحكاوى .. ولكنهم عكسها لا يكبرون ولا يشيخون ..
كانت طفلة صغيرة .. تنظر إلى الكتب وتسأل : ماهي يا ماما ؟؟ ليأتي صوت معلمها الأول ؛ “هي نافذة على عالم لم تدخليه بعد وباب لآفاق سيكون لك فيها شأنٌ”..
كانت طفلة صغيرة .. ولكنها فهمت ماهو الكتاب .. وأصبح عالمها أوسع .. ولنقل أن عالمها أصبح فيه بجانب والديها وأصدقائها كتاب .. هي لا تقراء وإنما تستمتع بالصور فيه .. وصوت والدتها تقراء لها سندريلا .. سنو وايت.. سندباد .. الشارد و النبيله .. و غيرها الكثير ..
وبدء عالمها يتضخم بشخوص من الخيال .. كانت تعتقد أنهم حقيقه وليسوا خيال.. تحلم بهم.. تقلدهم.. ونظراتها لهم فيها إعجاب .. وتعتقد أنها ستعيش قصصا مميزة مثلهم .. لأنها كانت طفله صغيره .. ترى كل شيئ بصفاء و نقاء .. وتنظر إلى الشر في القصة على أنه شر وصاحبه في النار .. و تنظر إلى الخير في القصة على أنه طريق النجاة .. لا تُأول و لا تبحث عن الأسباب .. فالشرير شرير و الطيب طيب.. بدون أي زيادات..
كانت طفلة صغيرة .. تنام وتحتضن عالمها بين ذراعيها .. وتلقي عليهم تحية المساء و الصباح .. وقد يصل أن لا تأكل .. إلا وهم حولها على شكل هلال ..
لأنها كانت طفلة صغيرة .. لا تعرف من الدنيا إلا بيتها الصغير .. و لا تعرف من الناس إلا والديها و ألعابها وكتاب ..
كانت طفلة صغيرة .. إتسع عالمها بمدرستها .. و زميلات الصف و المعلمات .. بدأت الرقعه تكبر من مجرد بيت وعائله الى مدرسة و زملاء و معلمات ..
لأنها كانت طفلة صغيرة .. إنبهرت بالعالم الجديد .. الذي انفصلت فيه عن والديها وألعابها وفرد العضلات .. أصبح عالم أوسع بل أكبر و مرعب مع لذة الإكتشاف .. في عالمها القديم مع حكايات الأم و الكتاب ظنت بأن لها خُلق الكون .. ليشهد قصتها و التي تشبه قصة كتبها .. و لكنها في العالم الجديد إكتشفت أنها ليست محور الكون.. وأن هناك فتيات أخريات .. وأيضاً مصدومات .. لأنهن إكتشفن أيضا أنهن لسنا محور الكون..
لأنها كانت طفلة صغيرة .. وخطت بأرجلها إلى عالمها الجديد .. فقد أحبت أن تعيش عالمين مختلفين .. الأول المنزل و الوالدين .. والثاني المدرسة و الزميلات .. وكانت تشعر بالإنتشاء لأن لديها أسرار .. بعيده عمن ساعدها في خطوتها الأولى .. فهذه طبيعه الإنسان يحب أن يبتعد عمن عرفه صغيراً وعلمه الكلمات ..
ورغم العالمين في حياة الطفلة الصغيرة .. لازالت البراءة تغلف تلك الطفولة ولا زالت تتطلع إلى والديها بحب وفخرٍ و إعتزاز .. وبدأت تخط أسرارها عن العالمين في مذكرات تكتب فيها حزنها وألمها وفرحها وأحلام الصغار ..
إنها طفلة صغيرة.. خطت نحو الشباب .. وتوسعت أحلامها مع إتساع عالمها المدرسي .. وأصبح لديها أسراراً و ذكريات .. وأشخاصاً في الذاكرةِ حلُ مكان الألعاب .. وأتسع الخيال وجمح في بعض الأحيان ..فلا باس في الجموح فهو صفة الشباب .. وهو أيضاً دليلٌ على أنك إنسان ..
إنها شابة صغيرة.. وصفةُ الشباب التهور و الإندفاع .. و العنف في الردود .. ومواكبة للجديد .. والأهم الأحلام التي تبنى .. والتعامل مع الأحلام على إنها نهاية حتمية لقصة خياليه ..
إنها شابة صغيرة.. إكتشفت أن الأصدقاء يتكلمون كما يسمعون .. ويبادرون وينصحون، كما أنهم يكذبون .. وإن منهم المحب اللطيف .. و منهم المتنمر الثقيل ..
إنها شابة صغيرة.. للأصدقاء في حياتها ذاك الحيّز الذي كان لألعاب الطفلة الصغيره .. فما عادت تسأل أباها ولا تستشير رشد أمها .. ولكن لأصدقائها تعود وتلجأ .. وتبني الأسرار والمشاريع و ترسم المستقبل وكل ذلك مكتوب في المذكرات ..
إنها شابة صغيرة .. متسرعة في قرارها .. ترفض النصح .. تتمرد على الأهل .. تجادل .. تطلب بأمر .. ولا باس أن ترفض النصح فعليها أن تخوض التجربة لتعرف لماذا؟.. و لتقوى ويقوى مع قوتها قرارها ..
إنها شابة صغيرة .. و بخطوة واحدة أصبحت إمرأة صغيرة.. وكانت الشابة الصغيرة تسابق الزمن لتصبح إمرأة وما أن حدث حتى جمدت الوقت لكي لا ينعكس عليها ..
إنها إمرأة صغيرة .. كبرت إهتماماتها .. فلم تعد تسمع قصة سندريلا و سنو وايت .. و ذاك الذهول في عينيها ..و خيالها ينسج من الكلمات صوراً حية .. لم تعد ترغب في مرشد لها .. ولَم تعد تعلق قلبها بحضور والديها ..
إنها إمرأة صغيرة.. وأصبحت إهتماماتها كبيرة .. فهي تبحث عن نفسها وذاتها .. تحارب لحريتها .. تنظر بعين المحارب لا الخاضع .. ترفض الأعراف الوائدة .. و التقاليد البائدة .. وتترك في كل مكان قصة .. وبين جنبات الأيام حكاية .. و للتاريخ إسطورة ..
إنها إمرأة صغيرة .. وكل يومٍ تكبر وتتقدم .. ولكن تقدمها ليس رقماً وإنما عملاً .. تذيل به إسمها بكل فخرٍ وإعتزاز..
1
أحسنتِ ..