( قول في دفن المعنى ..
دفن المعنى هو الأجدر بالدفن )
شاع دفن المعنى كأسلوب شعري مهيمن لدى شعراء العرضة في كل عصور وأزمنة العرضة حتى تحول إلى مايشبه الصنم الشعري الذي حدا بالشارع إلى إطلاق مقولة شهيرة متداولة ” المعنى في بطن الشاعر” كأوضح تجليات هذا المنهاج الشعري بل أنه في السابق كان تعبير عن مدى قدرة الشاعر وتمكنه
وأحد مؤشرات تميز الشاعر هو مدى قدرته على دفن معناه
وهذا الأسلوب نفسه جعل لشعر العرضة جمالية مقترنة بالتأويل الذي يمارسه المتلقي في البحث عن تفسير أو معنى لمراد هذا الشاعر أو ذاك وحين يعجزون يلوذون ببطن الشاعر . استمرت هذه اللعبة الشعرية حتى تشبعت تشبعا ابلغها حد النضج التام باتت معه مهددة ببلوغ سن التقاعد
والواقع أن الأساليب والمناهج وحتى العلوم تخضع لسيرورة تاريخية تجعلها شبيهة بالبشر حين تصبح في مرحلة ما غير قادرة على الوفاء بمتطلبات تلك المرحلة لذا وجب إحالته على التقاعد .
ويظل دفن المعنى واحدا من الأساليب التي حان الوقت تماما لتنحيته والاطاحة به من قصيدة شعر العرضة لأسباب منطقية تتعلق بالحقائق التاريخية التي أشرت إليها أعلاه حول تقاعد العلوم ولأسباب جمالية فهو لايعبر عن براعة الشاعر ولاهو أساس لمعرفة ذوقية أو تبصر جمالي .
كما أن المتلقي اليوم بات من نوع آخر فمن هو الذي اليوم يحتاج معرفة مرامي الشاعر في قصيدة ما وما معناه المدفون فيها؟؟
ومن الذي يحتاج إليه لتذوقها والتعرف على صيغة وجمالية دلالاتها؟ !
إذا كانت البلاغة العربية برمتها قد نضجت حتى أحترقت كما يرى الشيخ أمين الخولي
فماهو حال أسلوب صغير جدا كدفن المعنى؟
لايوجد اليوم شيء اجدر بالدفن من هذا الأسلوب نفسه في ظل نشوء حساسيات جديدة في الشعر أدخلت المتلقى إلى صلب القصيدة وحولته إلى جزء منها بدلاً من أن يتعامل معها على أنها إحدى روائع الشعر التى تستوجب منه أن يقف أمامها حائرا بحثا عن معنى مدفون في بطن شاعر يستجر أساليب ماضوية ليدهش بها متلقي في أزمنة مابعد الحداثة