المقالات

آبار المصطفي

ومنها بئر غرس وقد سبق القول عن بعض أخبارها وعن الإمام عليّ رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي، إذا أنا مت فاغسلني من بئري بئر غرس، بسبع قرب لم تحلل أو كيتهنّ، أخرجه الإمام ابن ماجة في سننه بسند جيد.
وعن سعيد بن رقيش رضى الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر الأغرس، فأهرق بقية وضوئه فيها. أخرجه الإمام ابن شبة في تاريخه أخبار المدينة.
وروى الإمام ابن سعد في طبقاته بسند صحيح كما نوه به الإمام السمهودى في وفائه : غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر وغسل في قميص, وغسل من بئر يقال لها الغرس لسعد بن خيثمة بقباء, وكان يشرب منها.
ولابن زبالة المخزومي رحمة الله عليه : أن أنس بن مالك رضى الله عنه جاء قباء، فقال : أين بئركم هذه يعني بئر غرس، فدللناه عليها، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها، وإنها لتسنى على حمار بسحر، فدعا بدلو من مائها فتوضأ منه، ثم سكبه فيها، فما نزفت بعد. رواه الإمام السمهودى في تاريخه الوفا.
وعن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت الليلة أني أصبح على بئر من الجنة، فأصبح على بئر غرس، فتوضأ منها وبصق فيها، أخرجه الإمام محب الدين ابن النجار في الدرة الثمينة.
وعن عمر بن الحكم : نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه. أخرجه الإمام ابن سعد في الطبقات مرسلا.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئر غرس من عيون الجنة. أخرجه الإمام ابن سعد في طبقاته.
وعن الإمام علي رضى الله عنه، قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئري بئر غرس. أخرجه الحافظ أبوالحجاج المزي في تهذيب الكمال.
وقال الجمال المطري في تعريفه: وكانت هذه البئر قد خربت، فجددت بعد السبعمائة وهي كثيرة الماء، وعرضها عشرة أذرع وطولها يزيد على ذلك، وماؤها تغلب عليه الخضرة، وهو طيب عذب.
وقال الإمام السمهودي في خلاصة الوفا: وقد خربت بعد، فاشتراها وما حولها الخواجا حسين بن الشهاب أحمد القاواني، وحوط عليها حديقة وعمرها، وجعل لها درجة ينزل إليها من داخل الحديقة وخارجها، وأنشأ بجانبها مسجدًا عام اثنين وثمانين وثمانمائة.
قلت: إن البئر لا تزال قائمة محمية، ولكن يظهر عليها اليوم آثار النضوب لعدم نضحها وطول إهمالها، وتقع داخل حجرة بناها عبد البارى الشاوي الملاصق لمدرسته الخاصة التى تقع بالعوالى, وهذه صورتها اليوم.
بئر أريس.
وتسمى أيضًا بئر الخاتم. وهي من آبار النبى صلى الله عليه وسلم التى قصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على قفها، ومد رجليه فيها، وشرب وتوضأ منها. فلقد روى الإمام البخارى وغيره في فضلها عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه: أنه توضأ في بيته ثم خرج، فقلت لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا : خرج ووجه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب، وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه، ثم انصرفت فجلست عند الباب، فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت من هذا، فقال أبو بكر، فقلت على رسلك، ثم ذهبت، فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف عن ساقيه. ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يريد أخاه يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت من هذا، فقال عمر بن الخطاب، فقلت على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال ائذن له وبشره بالجنة، فجئت فقلت ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر. ثم رجعت فجلست، فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت من هذا، فقال عثمان بن عفان، فقلت على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فجئته، فقلت له ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل، فوجد القف قد ملئ، فجلس وجاهه من الشق الآخر، قال شريك بن عبد الله، قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه بنحوه.
ولكن ليس هناك رواية عن بئر أريس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق فيها أو شرب منها، كما قال الإمام زين الدين العراقى في تخريج الأحياء: لم يثبت أنه بصق فيها. وعندما قال الإمام بن جماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق فيها استغربها عليه الإمام السمهودي في وفائه.
قلت وقد ورد في الصحيح كما سبق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، وبطبيعة الحال كان وضؤوه صلى الله عليه وسلم بمائها، وإن لم يرد في ذلك نص منقول. وليس من المعقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلب معه ماء فتوضأ عندها وهى عنده، وبهذا الاستدلال أثبت لها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ منها تحقيقًا.
وأما سبب تسميتها ببئر الخاتم واشتهارها به: فلما سقط فيها خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان نقشه (محمد رسول الله) من يد سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه في خلافته، لأنه كان يتختم به. وهو رواه الجمع ومنهم الإمام البخارى فى صحيحه: عن سيدنا أنس بن مالك الأنصارى رضى الله عنه، قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان، جلس على بئر أريس، قال : فأخرج الخاتم، فجعل يعبث به، فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فننزح البئر فلم نجده، أي الخاتم ..
فلما سقط خاتم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها من يد أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه شق عليه ذلك، فكلف من ينضح ماءها ويبحث في قعرها عن هذا الخاتم المبارك، فلم يفلح، واستغرق البحث ثلاثة أيام فلم يعثر عليه. فسمى لهذا السبب بئر الخاتم. وقيل وبعد سقوط الخاتم المبارك اختلفت الأمور على سيدنا عثمان رضى الله عنه، وتكالبت عليه الفتن، كما قاله الإمام أبو داود في سننه.
قلت: ومن عجائب الصدف أو الحكمة الإلهية: أن سيدنا عثمان رضى الله عنه بشر بالجنة مع بلوى تصيبه في هذه البئر، فكان سقوط خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يده في هذا البئر أيضًا، فكان ابتداء الفتن عليه وتوالى البلاء عليه من هذه البئر، سبحان الذى بيده أزمة الأمور.
ولم تزل بئر أريس المباركة عامرة، تعمر وتنضح منها المياه على مر القرون، وكانت عليها قبة رمزية، وكانت بواجهة مسجد قباء الغربية قريبة من بابه ومتقدمة نحو الجنوب قليلًا. وما يشاع أنها كانت عند نافورة الماء المزالة حاليًا أمام باب مسجد قباء الرئيس، فغير دقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى