تم إسقاط إدارة الجودة الشاملة كمفهوم حديث في مجال التربية، وكأسلوب من أساليب الإدارة الحديثة في مجال علم الإدارة بعد نجاحها في المجالات الأخرى، وقد تعددت أهدافها ومجالاتها، وكان من أهم أهدافها في المجال التربوي إعـداد طالـب ذي مواصفات معينة يستطيع العيش في مرحلة الانفجار المعرفي، والمعلومـات الغزيـرة، والتغير المتسارع، والتقدم التكنولوجي غير المسبوق في العالم يوصف الآن بأنه قرية واحدة لوجود شبكات الاتصالات العالمية المتطورة. هذا العالم والمرحلة القادمة تتطلـب أفرادا من ذي المواصفات العالية، يتميزون بالقدرة على استيعابها والتعامل معها بفاعلية، وأصبح على كاهل التعليم مواكبة هذا التطور وإعداد أفراد يستطيعون الاندماج في المنظومة العالمية الجديـدة.
وإدارة الجـودة الشاملة هي إحدى الأطر الفاعلة للقيام بهذه المهمة من خلال تجويد العملية التعليمية، والحكم على مخرجات التعليم وبما أن المدارس الأهلية تعنى بالدرجة الأولى بهذا الشأن نظرا لأنها تقدم خدمة للمستفيد (الطالب)؛ لذا أصبح يقع على كاهلها توفير معايير عالمية لإرضاء المستفيد وكسب ثقته، وقد أصبح الطالب وولي أمره يدركان تمامًا أن نسبة الثانوية العامة لا تعني لهم شيئا بقدر ما تقدمه المدارس الأهلية من برامج تقيمها في مختلف المجالات التي تنمي المهارات العليا لدى الطالب من تطوير للذات، وصقل للمواهب إعداد جيد لاجتياز اختبارات القدرات والاختبار التحصيلي، ولقد أصبح ولي الأمر يدرك الفجوة (gap) بين ما يحصل عليه ابنه من نسب عالية في الثانوية العامة، وما يقابلها في القدرات والتحصيلي، وقد لوحظ خلال السنوات الماضية وجود هذه الفجوة وقد أوعزتها الوزارة لضعف أسئلة الاختبارات الفترية والنصفية المقدمة للطالب فشرعت في مشروع (التوأمة)مع مدارس أخرى في بعض المواد؛ وخاصة المواد العلمية لهدف تجويد النواتج التحصيلية للطلاب ولسد الفجوة بين النسب العالية التي يحصل عليها الطالب في شهادة الثانوية العامة والنتائج المتدنية لبعض الطلاب في اختبار القدرات والتحصيلي، وهذا يُعد سقوطا لقيمة مخرجات المدارس الأهلية وليس حلا لتلك الفجوة والحل من وجهة نظري هو العناية بجودة التعليم الأهلي من اختيار الكوادر التعليمية ذوي الكفاءة العالية مرورا بالعناية بالبيئية المدرسية والاعتماد على التعليم الجاد وليس التعليم المقصود منه الربح المادي، وكذلك لابد من وجود شراكة مجتمعية بين كليات التربية وملاك ومالكات المدارس الأهلية تحت إشراف من وزارة التعليم لاستقطاب المميزين من خريجي تلك الكليات ووضع معايير للاختيار وليس بما هو معمول به الآن من تعاقد مباشر بين المالك والمعلمين الخريجين فهذا الأمر أوجد نوعا من المعلمين الذين لم يرقوا إلى المستوى الذي يطمح له ملاك المدارس ولا إلى المخرج الذي يحتاجه الطالب لذلك لا بد أن يكون الاختيار للأفضل والأجدر فالمدارس الأهلية هي رافد من روافد التعليم ويعول عليها التعليم كثيرًا في مخرجاته، وتعتبر وسيلة لكسب رضا المجتمع، وقد أحرزت المدارس الأهلية نجاحات كبيرة على مدار السنوات الماضية ولا زالت، ولكن مع دخول مركز قياس معترك المجال التعليمي اختلفت الموازين وأصبحت المدارس الأهلية في محك صعب لذا يجب على ملاك المدارس البحث عن جودة التعليم والتنازل قليلاً عن الجانب الربحي.
لأن التعليم الأهلي ليس مجرد تعليم يعطي شهادات أو يعطي تقديرات بل هو مخرج من مخرجات التعليم المميزة يجب أن يخضع تحت مظلة هيئة متخصصة تضع معايير للمدرسين ومعايير الاختبارات، ولا ننكر هنا أن هناك مدارس الأهلية في مملكتنا المترامية الأطراف يشار لها بالبنان من ناحية الجودة في التعليم والجد والاجتهاد والتنظيم لأن هذه المدارس بدأت تقدم تعليم على مستوى جيد تراقب، وتتابع وتستثمر الإمكانيات التي وفرتها ومصلحة الطالب، وللأسف هناك مدارس ما زالت ترضخ تحت التهاون وعدم الاهتمام بالطالب همها الوحيد تكييل الدرجات العالية للطلاب سواء حضروا أو لم يحضروا، والطالب في النهاية هو الضحية عندما يصطدم بالفجوة بين ما حققه من نسب عالية في شهادة الثانوية العامة وما يقابله من ضعف في القدرات والتحصيلي، وفي النهاية نسبة موزونة قد لا تحقق طموحاته وتطلعاته وبهذا تصبح بعض المدارس الأهلية معول هدم لا معول بناء.
0