كثيرًا ما نسمع عبارات لدى بعض المثقفين والكتّـــاب أو المُتحدثين في المجال الفكري والتربوي والدعوي عن قضية مهمة، وهي أنّ للمملكة العربية السعودية خصوصية على باقي البلاد فما حقيقة ذلك؟
الحقيقة:
إن الله تعالى حبا هذه البلاد المباركة بخدمة الحرمين الشريفين، والاهتمام بالقرآن الكريم طباعةً وحفظا وتعليمًا، ومدّ العون لكل محتاج حول العالم ونصرة المظلوم ونشر العلم والمعرفة وإقامة المراكز الإغاثية والخيرية في أرجاء المعمورة، وبناء التحالفات التي تحفظ للمسلمين والعرب حقوقهم ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله.
مما يجعلنا نحمد الله على هذا الفضل وعلى تزحم النعم فنسأله جل في علاه أنْ يُديمها، وأنْ يمنعها من الزوال، وأنْ يجعلنا هداة مهديين أينما كنّا وأنْ يغفر لنا زللنا وأنْ يوفّـقنا لكل طاعة.
أحبتي:
في الآونة الآخيرة ظهر لنا جيل
لديه قِلة وعي بتعاليم الدين وأدبـيّـاته وأخلاقياته التي تدعو للألفة والمحبة والإخاء بين عموم المسلمين في كل مكان، وتنبذ النعرات والعنصرية والفوقية التي هي من أمور الجاهلية.
حيث ادعى بعضهم بأنّ الإسلام في السعودية يختلف عن باقي البلاد، وأنّ الاخلاق في السعودية لا مثيل لها فلم يبق من الثناء والمديح والتفاخر إلا أنْ يقول: أحدهم (الملائكة تصافح السعوديين في الطرقات) بسبب الإيمان الذي يضرب أطنابه في نفوسهم … ترى ما السبب هذا الادعاءات؟
إنّ الأسباب التي دعت البعض للتفاخر بأنّ لهم ميزة على غيرهم دينيا واجتماعيًا وأخلاقيا من الشعوب هي أنّهم خلطوا أوراق المفاهيم والتبس على بعضهم إدراك معنى الخصوصية الاجتماعية والعالمية الدينية.
نحن لا ننكر بأننا مجتمع شبه منكفئ على نفسه لا يقبل أنْ يكون للأعراق الأخرى أيّ تمازج، وتماهي معهم لأنّنا قومٌ نفتخر كثيرًا بالنسب والتأصيل، وهذا لا عيب فيه.
ولكن العيب الحقيقي هو أنْ نربط التدين والأخلاق والقيم الاجتماعية “بالجنسية والنسب”، ونردد مصطلح أننا شعب الله المختار إنْ لم يكن صراحةً لفظيةً فصراحةً معنوية.
من خلال احتقار الشعوب الأخرى سوى في عقائدهم أو قيمهم أو توجهاتهم، والأعظم من ذلك إنْ كانوا مسلمين من أبناء جلدتنا.
فكيف سنفسر نظرة الشعوب لنا إنْ كنا بمثل هذه العنصرية ؟
وكيف نأمن على أنفسنا من أنْ تدور بنا الدوائر، وينقلب حالنا فنعود إلى ما كنّا عليه من الجهل والتناحر؟
ومن العيب أيضًا أنّ العلم الذي اكتسبه من هؤلاء المتعنصرين، والشهادات التي حصلوا عليها والمعارف التي أتقنوها لم تُطهّر قلوبهم من الجاهلية وعقولهم من التفكير المنحرف وسلوكهم من الطيش مما دعاهم أنْ يركبوا موجة إبليس في التكبر (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )
أو اتخذوا قارون مثلاً في التفاخر ولسان أحدهم يقول:
(إنما أوتيته على علم عندي).
نعم السعودية بلدي وموطني أفتخر بها
وأفتخر بأهلها، وأفتخر بالنعيم الذي يحيطني فيها، ولكن يؤسفني
ما يقوم به بعض أبناء جلدتي من الشعور بالزهو حتى في التديّن
أوتصنيف الناس حسب آرائهم أيّا كانت عقائدهم أو توجهاتهم وكأنّ الدين لم يأت إلا لنا دون العالمين أو أنّ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت ذاكرة لفضائلنا دون الآخرين.
أحبتي:
لا ننكر فضل العرب على البشرية في نشر تعاليم الدين
من خلال الدعوة، وبذل المعروف وحُسن الخُلُق ولكن في نفس الوقت لم نسمع عبر التاريخ زهو العرب بإنجازاتهم على غير العرب بأنهم علّموهم الدّين أو هم أهل فضل عليهم في شيء، وإنّما سمعنا بذلك لدى بعض (الحمقى) في هذا الجيل الذين يشعرون بالزهو بأفضليتهم الدينية والاجتماعية والأخلاقية على غيرهم؛ وكأنّ الجنة لم تُخْـلق إلا لهم.
إنّ هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده
عبر رسالة نبيه عليه الصلاة والسلام جاء شاملا كاملا منصورا عبر أبناء العرب وغير العرب فالبخاري والترمذي ومسلم لم يكونوا عربًا، وحفظ الله الدين بهم وصلاح الدين الأيوبي كردي نصر الله به الإسلام.
نعم
إنها حقائق التاريخ التي يتجاهلها بعض أبناء جلدتنا
دون وعي، وربما بتعـمّـد إنكارها زهوا وفخرا بما لدينا الآن.
لذا أحمّل اللوم للعلماء المعتبرين والمفكرين المحترمين والمثقفين الراقين لأنّهم يكثرون من الصمت حول هذه النقطة وربما أيّدهم البعض بترديد نحن السعوديون لنا خصوصية دينية واجتماعية؛ وكأننا بمعزل عن العالم أو نعيش في العصور الوسطى المظلومة نرفض أنْ يكون لنا بصمةً عالميةً أخلاقيةً دون احتقار أحد وخصوصا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
نعم
نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم
التي لا فضل فيها لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وليس بالفتوى.
نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم
التي نشرت الإسلام بحسن الخلق والدعوة الحسنة قبل السيف.
نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم
التي هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
همسة:
(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾