المقالات

قم للمعلم (2)

استكمالًا لموضوع “قم للمعلم” المنشور في صحيفة مكة الإلكترونية بتاريخ 3 مايو 2018م، وحيث إننا وضّحنا المأمول والمتوقع من المعلم. فاليوم سنطرح بعض ما يمكن توفيره لنتمكن من الوقوف بشكل جماعي للمعلم. ولنعزز المفهوم المطروح من خلال المقال السابق.

فلا يخفى على أحد أن النمطية في العمل بشكل عام والركود الوظيفي مدعاة لقتل أي نشاط أو همة. فما بالكم وهمة ونشاط المعلم المطلوب منه التعامل مع ما لا يقل عن 30 شخصية مختلفة كسلوك وتفكير وثقافة وتطور. قطعًا سيكون صعبًا ومدعاة إلى تسلل الملل والركود والرتابة إلى نفس المعلم ليتحول إلى آلة تكرر نفس الكلام للطلاب وتنسخ نفس التحضيرات للدرس. وقد يدعو ذلك بعض المعلمين إلى الابتعاد عن التدريس المباشر للطلاب، ويتوجهون للعمل الإداري كوكيل أو مدير مدرسة. ولكن في الحقيقة ليس كل المعلمين يصلحون لأن يكونوا وكلاء أو مدراء مدارس أو في التوجيه، مع ملاحظة أن عدد هذه الوظائف محدود فوكيل مدرسة واحد يقابله ما لا يقل عن 20 معلمًا، أو أكثر.

هذا هو السلم المعروف للمعلم: فهو يبدأ كمعلم ثم ينتقل ليكون معلمًا وبعدها يرتقي ليكون معلمًا، وإن رغب قد يصل لوكيل أو مدير مدرسة أو موجه تربوي. سلم وظيفي قاتل لأي طموح.
بينما في الوظائف الإدارية الأخرى يوجد ما يسمى بالارتقاء الوظيفي (Career Path) الذي يتدرج فيه الموظف من أول السلم بمسمى معين إلى أن يصل إلى أعلى الدرجات بمسمى إشرافي ذي مسؤوليات؛ وذلك بناء على اهتمامه واجتهاده ونقاط مطلوب تحقيقها.

وإن كنا سنساوي بين الإداريين والمعلمين فالأجدى أن نبدأ بالوظيفة ومسماها. فمن الظلم أن يعمل المعلم معلمًا منذ تاريخ التعيين وحتى التقاعد٬ فهذا قتل للتحفيز والتجديد والتطور. ولننظر إلى سلم أعضاء هيئة التدريس الذي يبدأ بمسمى (محاضر)٬ ثم (معيد)٬ ثم (أستاذ مساعد)٬ فـ(أستاذ مشارك) وأخيرًا (أستاذ). لكل منهم متطلبات ومهارات ومسئوليات. وبالتالي تجدد في المهام على مر السنين.
والكادر التعليمي يشبه كادر أعضاء هيئة التدريس، ولا يقل عنه مستوى فالتعليم في الصغر يشكل السلوك والأفكار ويرتقي بالثقافة لدى الطفل. فالأجدى أن نقارن بين المعلمين وأعضاء هيئة التدريس لا المعلمين والإداريين، وذلك لتشابه كثير من الجوانب بينهما.

ولنبدأ بالتغيير الصحيحي لا بد من تحديد سلم وظيفي بمسميات وظيفية واضحة للمعلمين قد يبدأ بمسمى (معلم مساعد)٬ ثم (معلم أول) ثم (معلم ثان) (فكبير معلمين)٬ ثم (وكيل مدرسة) ثم (مدير مدرسة)٬ أو (قائد مرحلة)، لكل منهم وصفه الوظيفي الذي يتميز بمسؤوليات تختلف عن الآخر وعدد سنوات خبرة ومهارات مختلفة وكذلك بمزايا مالية مختلفة.
لا فائدة من الدورات التدريبية التي تستنزف الميزانيات والموارد الكثيرة إن لم تنعكس إيجابًا على الوضع الوظيفي للمعلم.
بعيدًا عن الشعارات والتصاريح والنصائح والمتوقع والمأمول والواقع المرير، يجب أن نعي أن وزارة التعليم لديها فرصة ذهبية للتغيير الجذري في الهيكلة الإدارية الخاصة بالكادر التعليمي. كما يجب أن نتفق بأن التعليم هو الثروة التي تبني المجتمع، ولنبنى المجتمع لا بد أن نبني المعلم ليس من خلال الدورات التدريبية ولا الرواتب وإنما من خلال مسمى يميز المبتدئ عن المعلم ذي الخبرة مع مراعاة التدرج.

بنظرة سريعة على سلم رواتب المعلمين نرى أنه عبارة عن مستويات ودرجات يحصل فيها المعلم على العلاوة السنوية بشكل دوري ومتساو دون مراعاة للتميز. ومثل هذا السلم لا يخدم التطور والثورة الإدارية التي تسعى لها الدولة للرقي بمؤسساتها.
فمن المجحف أن نتحدث عن بناء المجتمع من خلال المعلم ولا نتحدث عن بناء المعلم ليطور المجتمع.

Related Articles

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button