المقالات

التفحيط .. النفط القديم

خلال عام 2018 شهدت المملكة العربية السعودية تغيراً جذرياً في الوجه العام الرياضي وهي خطوات ثابتة تهدف إلى نقل المملكة إلى مصافي الدول الداعمة والمهتمة بالرياضة.
حيث أولت هيئة الرياضة اهتماماً كبيراً بكرة القدم فقد حلت مشاكل أنديتها، وحاربت الفساد، وقضت على الهيمنة والسيطرة فيها. ولم تكتفي الهيئة الرياضية بذلك بل اتجهت إلى فتح آفاق رياضية جديدة لم نتوقع أن يتم اختراقها من قبلنا مثل الشطرنج والتي أقيمت في شهر نوفمبر عام 2017م وكذلك رياضة المصارعة الحرة والتي أقيمت في وطننا مؤخراً بإحترافية عالية جداً فاقت كل تخيل، واكدت أننا مادياً وتنظيمياً وأمنياً قادرون على احتضان مثل هذه الرياضات.

وإتجاه المملكة نحو الرياضة يعد طبيعياً، فمما لا شك فيه إن الرياضة تشكل دخلاً للدول وتؤثر على اقتصادها بشكل إيجابي. وهذا ما تحاول المملكة تحقيقة وهو تنويع الدخل وبالتالي تحسين الإقتصاد الوطني. حيث تشير التوقعات وفق مجلة فوربس الأميركية الشهيرة إلى أن صناعة الرياضة في طريقها لأن تصبح صناعة تقدر بـ 73.5 مليار دولار أميركي بحلول عام 2019 في الولايات المتحدة الأميركية، متقدمة بذلك على الكثير من الصناعات التقليدية المعروفة، كما إن حجم سوق الرياضة العالمي يفوق الدخل القومي لـ 130 بلداً، ويساوي دخل كرة القدم منفرداً في البرازيل ما نسبته 5% من إجمالي الدخل في البرازيل، ولذلك يعد الدخل الرياضي لدول كثيرة محركاً مهماً للاقتصاد الوطني وحتى التي تملك موارد محدودة منها تديرها بتميز منقطع النظير وبأسلوب علمي يضاهي الدول الكبيرة، من حيث التخطيط والتنفيذ والمتابعة.

وبنظرة تأملية في بعض الدول ورياضاتها الشهيرة نجد أن البرازيل على سبيل المثال الأشهر في مجال كرة القدم: فقد صدرت الكرة البرازيليه عام 2014م 1493 لاعباً حول العالم . وعلى الرغم من أن البرازيل تعتبر من الدول الأكثر نموا على مستوى العالم ولديها مصادر دخل متنوعة وضخمة أهمها القطاع الزراعي والصناعي والسياحي والكيماويات إضافة إلى إنتاج النفط حيث يبلغ الناتج المحلي أكثر من 1.8 تريليون دولار. إلا أن شهرتها الأعظم هي كرة القدم بلا منازع.

أما الأرجنتين فقد احتلت المركز الثاني على العالم بعد البرازيل من حيث تصدير اللاعبين فقد صدرت الأرجنتين في عام 2014 حوالي 800 لاعب حول العالم. فهي تعتمد على صناعة كرة القدم كمورد أساسي للدخل القومي مثلها مثل البرازيل حيث بلغ نصيب الدخل القومي من كرة القدم للأرجنتين في عام 2007 حوالي 12 مليار دولار. وفي الولايات المتحدة الأمريكية فإن اكثر الرياضات الشعبية هي كرة السلة ثم كرة القدم الأمريكية ثم البيسبول ثم هوكي الجليد.

ونلاحظ أن كل رياضة لها إرتباط ثقافي وذهني لدينا بدول معينة. فما أن نأتي على ذكر رياضة الكريكت حتى يقفز إلى أذهاننا دولة الباكستان والهند أو عندما نأتي على ذكر كرة السلة بالتأكيد نفكر بأمريكا، ماذا لو قلنا مصارعة الثيران؟ هل تحتاج أن نخبرك أي دولة؟ أم علمها يتضح في ذهنك بجانب الرياضة. وقس على ذلك العديد من الإرتباطات الذهنية بين الدول ورياضات بعينها.

والسؤال هل تستطيع المملكة العربية السعودية الوصول لمثل هذه الحالة الذهنية عند ذكر رياضة معينة؟ وهل السير على خطى الغير هو ما سيخلق الهوية الرياضية للمملكة العربية السعودية؟ أم أن الواجب خلق رياضة خاص بنا كشعب؟، وهل المفترض أن نخلق رياضة من العدم؟، أم أن ننظر في نقاط قوتنا ونخلق منها الرياضة؟ وهذة أسئلة مهمة والإجابة عليها تحتاج إلى وعي بالاهداف العامة من تطوير الرياضة في بلدنا، والتي هي أحد أهداف رؤية 2030.

فنحن كدولة نسعى للاستثمار في جيل واعد ولدىيه قدرات خاصة لم يتم اكتشافها بعد، إذاً لا بد لنا أن نسعى إلى خلق هوية رياضية مميزة تميزنا كشعب عن غيرنا. ولو بحثنا في توجهات شبابنا ونضرنا إلى أولى هواياتهم لوجدنا أن أفضل ما يميز الشباب السعودي هو قدرته على قيادة السيارات بمهارة تفوق المعقول وقد سبق وأن لاحظنا ما يؤديه الشباب في لحظات اختلاس وتفنن في استخدام المقود بحرفية قل أن نجدها لدى شعوب أخرى وكأنه يقول انظروا هذا ما نبدع فيه وهذا ما نحن ابطاله. حتى ان أقوى البرامج التلفزيونية مثل ( Top Gear ) نقل بعض مقاطع الفيديو لبعض شبابنا التي اعتبروها ضرباً من الخيال.

فمثلا عدد نتائج البحث لكلمة (تفحيط) عبر اليوتيوب تعطيك (1.370.000) نتيجة و كرة قدم (1.440.000) نتيجة. كما تصل عدد المشاهدات لمقاطع التفحيط الى 7.4 مليون مشاهدة.

هذا إنما يدل على توجه واضح من الشباب لنوع معين من الرياضات ولو تحدثنا بلغة إقتصادية بسيطة وبالرجوع إلى تاريخ سباق السيارات بمفهومها العالمي لوجدنا أن سباق الفورميلا ون والذي تُشير التقديرات إلى أن إيرادات سباق الفورمولا ون تشكل 3% من الدخل القومي لمملكة البحرين وأن أرقامها بلغت عام 2008م نحو 590 مليون دولار بما فيها عائدات النقل التلفزيوني التي بلغت 9.7 مليون دولار. وفي عام 2012م تمكنت البحرين من إقامة هذا السباق وقدِّر مردوده على الإقتصاد بنحو 295 مليون دولار بالإضافةإلى أنه وفَّر 3 آلاف فرصة عمل.

ولكن هل سباقات السيارات مثل الفورملا ون هي ما يجب أن نطمع إلى إختطافه وتحقيق إنتصارات فيها؟، وهل يكون تحقيق الهوية والارتباط الذهني من خلال العاب قائمة فعلاً لها مرتاديها وأبطالها أم نبحث أعمق من مجرد القيادة والسباق.

وإذا اتفقنا أننا نرغب في خلق هوية رياضية مختلفة ومتميزة ترسخ كصورة ذهنية عن المملكة العربية السعودية، لأكتشفنا أن السيارات بالنسبة للشباب السعودي اكثر من مجرد سباق سيارات بل هي (دريفتينج) باللهجة السعودي تفحيط وتنطيل، فما يميز شبابنا السعودي بأن لديهم قدرات عالية جداً خلقت رياضة خفية خطيرة وأشخاص بأسماء رمزية وصلت إلى حد التحريم الا وهي (التفحيط).

ولو فطنا لها واهتممنا بها وحاولنا أن نقرنها بإستخدام طاقات وكوامن شبابنا بحيث نحول لعبة الموت إلى محفل رياضي عظيم، لخلقنا رياضة فريدة من نوعها لا يبرع فيها سوى الشاب السعودي لتسجل ماركة مسجلة له، يقيم لها المحافل الرياضية ويتبناها ليكون منها هوية، وريادة، ودخل يضاهي أي رياضة أخرى.

نعم (التفحيط) هو النفط الخام الذي لم يستثمر بشكل جيد، ولم يحول إلى سباقات ومحافل عالمية تستقطب الجمهور داخلياً وخارجياً، وتستقطب الرعاة وتكون دخلاً تجارياً يزدهر من خلاله الدخل القومي للدولة وفي ذات الوقت تستغل كوامن شبابنا وابعادهم عن ساحات الموت الى ساحات المجد والشهرة. .

عزيزي المسؤل كل ما نحتاجه هو تبني هذه الرياضة وضم هؤلاء الشباب وإعطائهم جميع وسائل الحماية والأمان وتمكينهم من أسباب النجاح والعمل على وضع مرافق مهيئة عالمياً، وفتح باب لاستثمار جديد، وماهي إلا سنوات قليلة حتى تصبح هذه الرياضة مرتبطة إرتباطا ذهنيا بشكل عالمي بالمملكة العربية السعودية ولاندري قد تكون إنطلاقة نسيطر فيها على رياضات السيارات بجميع أشكالها .

قد تكون (الطاقة النظيفة) النفط الجديد لكن (التفحيط) نفط قديم ينتظر من ينقب عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button