ترتيب دول العالم العربي جاء متأخرًا لما بعد المرتبة العشرين والثلاثين في مؤشرات السعادة المجتمعية حسب القياس الأخير من “شبكة حلول للتنمية المستدامة” التابعة للأمم المتحدة .. طبعًا هذه المراتب كانت للدول “المتقدمة” نوعًا ما عربيًا مثل التي حاولت تخصيص وزارات للسعادة أو الترفيه أو تعمل على سد بعض ثغرات البنية التحتية والمجتمعية .. أما الدول العربية التي تعاني من الحروب الأهلية أو بداياتها، فقد نزلت مرتبتها في مؤشرات السعادة المجتمعية لمرتبات متدنية جدًا !!.
وبغض النظر عن المعيار الأساسي لقياس الأمم المتحدة للسعادة المجتمعية المرتبط بمدى “شعور الفرد بالسعادة والرضا والتفاؤل في حياته”، والمبني على عدد من المعايير مثل: (قوة الدعم المجتمعي، ومستوى الفساد، والحرية التي يتمتع بها الفرد)، فإن أغلب معايير السعادة المجتمعية توفرها “القيم الأخلاقية العالمية في التعاملات” التي نظمتها مجالس البرلمانات في الدول الأكثر سعادة مجتمعيًا، وعملت على تطبيقها شعبيًا أجهزتها التنفيذية.. وحسب طبيعة البشر التجريبية فإن محددات المجالس البرلمانية لمعايير السعادة المجتمعية قد لا تكون كاملة أو دقيقة، ولذلك فإن عقلائهم وأهل الحكمة منهم يعملون باستمرار على تطوير هذه المعايير تدريجيًا ..
في المقابل فإن القرآن الكريم تنزيل رب العالمين حدد لنا عشرة معايير أو أكثر من “القيم الأخلاقية” التي تخفف من مستوى “الضنك” والنكد وترفع من مستويات السعادة المجتمعية في الحياة الدنيا، لكن مجتمعاتنا العربية اختارت للأسف “هجران التنزيل الحكيم” هذا الكنز العظيم “أحسن الحديث”، بدلًا من الاستفادة منه وتطبيق وصاياه وتوجيهاته، وبالتالي فقد انطبق علينا تحذير رب العباد في سورة طه بقوله -عز وجل-:﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ..﴾.
ورغم اهتمامات المسلمين اليوم بقراءة القرآن الكريم وترتيله وحفظه، إلا أن القراءة وتختيم المصحف مرات رغم أجرها الكبير ليست هي الغايات التي حددها لنا الله وأنزل من أجلها “الذكر الحكيم”، حيث قال -عز وجل- في سورة ص: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
*والمتدبر للآية السابقة سيجد فيها منهجية واضحة ودقيقة للاستفادة المجتمعية من كتاب الله في خطوتين لازمتين هي:
١- تدبر كل قارئ لآيات القرآن الكريم ليرتفع الوعي والفهم لمقاصد الدين وغاياته عند الجميع.
٢- تذكر “أولي الألباب” الذين هم أهل العقل والحكمة مثل:(مجالس الشورى والبرلمانات) لنتائج التدبر للاستفادة منها في وضع التنظيمات التي تحفظ القيم الأخلاقية، وتحقق السعادة المجتمعية الشاملة..
وبتطبيق هذه المنهجية في التعامل مع كتاب الله سنجد أنفسنا ومجتمعاتنا أبعد ما نكون عن حياة “الضنك”، وأقرب ما نكون لتحقيق مستويات عالية من مؤشرات السعادة المجتمعية، وبالتالي تتجنب المجتمعات العربية أيضًا مشكلة الإعراض الذي حذرنا منه -عز وجل- بلسان النبي عليه وآله الصلاة والسلام في سورة الفرقان:﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ “قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾!!
*بقي أن نقول بأن “التنزيل الحكيم” ذاخر بالوصايا والتوجيهات الأخلاقية، لكني أعتقد أن وصايا وتوجيهات سورة لقمان العشرة تتضمن أهم معايير تحقيق السعادة المجتمعية لو تم العمل مجتمعيًا على تدبرها، وعمل “أولي الألباب” وأهل الحكمة على تقنينها للاستفادة منها في تنظيم التعاملات الاجتماعية وهي كالتالي:
١- الاجتناب المجتمعي للشرك (الظلم العظيم للنفس والآخرين) .
٢- الإحسان للوالدين ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف.
٣- الإقامة المجتمعية للصلوات.
٤- الأمر المؤسسي لكل مجالات المعروف.
٥- النهي المؤسسي عن كل مجالات المنكر.
٦- الصبر على الشدائد والتواصي به.
٧- اجتناب الكبرياء (غمط حقوق الناس المالية والفكرية والدينية و..).
٨- اجتناب الفخر والاختيال (الفردي أو الجماعي) بين الناس لعرق أو مال أو جاه أو لون …
٩- القصد في المسيرة المجتمعية من غير تطرف أو تفريط.
١٠- خفض الصوت والتزام السكينة، والاحترام في التعاملات البينية.
وأعتقد أن فقدان مجتمعاتنا لكثير من القيم والأخلاق كان نتيجة طبيعية لابتعاد الأغلبية عن تدبر القرآن الكريم، ولعدم قيام “أولي الألباب” بتذكر هذه الوصايا والتوجيهات التي أوصانا بها الله -عز وجل- في كتابه الكريم للاستفادة منها في تنظيم التعاملات وتطبيقها فيما بيننا، وبالتالي أصبحت أغلب مجتمعاتنا العربية تعيش في حالة “ضنك” وتدنٍ لمؤشرات السعادة المجتمعية، فهل نحن منتهون ؟؟.
مقاربة رائعة و لمست بشكل سريع اختلاف مفهوم السعادة والترفيه بيننا والغرب ؟! فكلاهما ظلما في عالمنا العربي بالتسطيح واقترانهما بالهيافة والتنصل من القيم والأخلاق ولكن غالبا نستسهل تحميل المسؤولية للأفراد وإن كانوا يتحملون جزءا لكن مع الأسف الجزء الاكبر تتحمله المؤسسة الحاكمة في عصرنا وهي الدولة والسلطة السياسية والسيرة النبوية تسعفنا حينما يتجلى فيها نهج النبوة بإقامة المجتمع المسلم بالتوازي مع تربية الفرد ودون ذلك سيكون حرثا في البحر
سلمت يمينك سعادة المهندس جمال ..أسال الله أن يلهمنا طريق السعادة بالتدبر والتطبيق الحق نحو بلوغ رضاه أنه سميع مجيب