تعد الثقافة من مقومات جودة الحياة ومن أهم أسباب التقدم الوطني نحو تحقيق تنمية مستدامة؛ وهي نواة لكل امتداد اجتماعي واقتصادي وسياسي؛ وأساس لكل تطور تقني ومعرفي وجزء لا يتجزأ من الحياة.
تتكون شخصية الإنسان من ثلاثة جوانب أساسية تعمل بشكلٍ متوازن ومتكامل (الجانب النفسي الوجداني، الجانب الجسدي الحركي، الجانب العقلي المعرفي) ولكل جانب احتياجاته الأساسية ليستمر في الحياة؛ فالجانب الجسدي بحاجة لتغذية مستمرة ليحافظ على لياقته وصحته والجانب النفسي بحاجة لتغذيته بالقيم والسلوكيات الإيجابية والجانب المعرفي بحاجة لتغذية معرفية ثقافية دائمة تؤدي إلى ارتقاء بالوعي الثقافي للفرد، وأي خلل في أحد تلك الجوانب يؤدي إلى خلل في الشخصية مما يؤثر سلبًا على الفرد والمجتمع.
إذًا فالثقافة هي إحدى جوانب التكوين البشري المتزن للإنسان وهي من أهم أسباب التقدم والارتقاء المجتمعي؛ وبالتالي فمن المهم توجيه الاهتمام نحو مصدر تلك الثقافة التي تغذي العقل البشري وبمصطلح آخر توجيه الأنظار نحو الحاضنات الثقافية في البلد من مؤسسات ثقافية كالمكتبات بكافة أنواعها والأندية الأدبية والمراكز الثقافية وغيرها، والتركيز على دورها الثقافي الهام والبارز فهي تمثل مصدرًا للغذاء العقلي ومصنعًا لتكوين الأفكار الإبداعية ومراكز جذب للمثقفين والأدباء وكافة شرائح المجتمع، وتعكس ثقافة الوطن وتعزز الهوية الوطنية وترتقي بالوعي الثقافي وتبني جيلًا مثقفًا واعيًا ومتوازنًا، كما لا تقتصر تلك المؤسسات الثقافية على حفظ الثقافة وتخزينها بل تسعى لتفعيل دورها الثقافي في الحياة العامة فهي تمثل الأساس لكل نشاط إبداعي وحضاري وثقافي، وصدور الأمر الملكي بإنشاء وزارة تحت مسمى “وزارة الثقافة” وفصلها بشكل مستقل عن وزارة الإعلام هو دليل على الحرص الكبير من قيادتنا الرشيدة بالجانب الثقافي في الوطن، وإيمانها بالدور البارز الكبير للثقافة في التنمية الوطنية المستدامة، ذلك الأمر الملكي الرفيع سيدفع عجلة التقدم الثقافي للأمام وسيُنتج بيئة خصبة للمثقفين ومن أهمها المكتبات العامة باعتبارها نواة الفكر والإبداع.
وقد أكد وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود أن رؤية الوزارة هي من رؤية المملكة 2030، وستكون الوزارة الراعي الرسمي للنهوض بالثقافة في قطاعاتها المختلفة بتعزيز الهوية السعودية، وتأكيد القوة الحضارية للمملكة التي كانت مغيبة، ولفت أن الثقافة للجميع وأكد على أهمية دعم المثقفين وتشجيعهم لمواصلة الإبداع.
وقد ظهرت الرؤية الوطنية كانطلاقة جديدة للثقافة السعودية متضمنة لأهم مقومات التطور والتقدم الوطني الجديد المتمثل في الثقافة؛ فوضعت قواعد ثابتة لتلك الثقافة، ودعت إلى توسيع امتدادها باعتبارها أساس الامتداد المجتمعي في كافة جوانبه، وتضمنت رؤية 2030 ووثيقة جودة الحياة أهم المؤسسات الثقافية (المكتبات العامة) وتطويرها لتمثل حاضنات للفكر والوعي مما يسهم في إيجاد جيلًا ثقافيًا متميزًا، وبالتالي فالحضور الثقافي ممثلًا في المكتبات العامة وغيرها من المؤسسات الثقافية يجب أن يكون موازيًا للحضور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفاعلًا فيها جميعها، ويجب تعزيز دور المكتبات العامة باعتبارها حاضنة للأفكار الإبداعية ومنتجة للبيئة الفنية ومرجعًا أساسيًا لكل عمل فني وصانعة لكل محتوى فكري.
ونجد أن المسؤولية باتت كبيرة على منسوبي تلك المؤسسات الثقافية (المكتبات العامة) وضرورة سعيهم الدؤوب لمواكبة متطلبات رؤية 2030 وتطوير المكتبات العامة وفقًا للرؤية وانعكاس محاورها في كافة خدمات المكتبات المعلوماتية؛ بالإضافة إلى بلوغ الأنشطة الثقافية التي تقدمها لمستوى عالي تقنيًا يليق باحتياجات المواطن السعودي الذي زاد وعيه المعلوماتي في ظل تعدد تقنيات المعلومات وتنوع مصادرها، مما يتطلب حصول المسؤولين وكافة منسوبي وزارة الثقافة على درجات علمية عالية ودقيقة في التخصصات التي تمثل الجانب الثقافي، والسعي الدائم للتطوير المهني والتدريب التقني مما يؤهلهم لدفع عجلة تلك المكتبات نحو تحقيق رؤية 2030 بكفاءة وجودة مهنية، وتطبيق مبادرات جودة الحياة للوصول لحياة اجتماعية وثقافية راقية وموازية للمجتمعات المتقدمة.