تظل مكة المكرمة قبلة المسلمين العاصمة المقدسة، محل الاهتمام ومحط الرعاية لولاة الأمر- حفظهم الله – منذ تأسيس هذه الدولة السّنية، وحتى هذا العهد الزاهر الذي أولت فيه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله- كل العناية والاهتمام بهذه المدينة المقدسة، من خلال منظومة متكاملة من الخدمات التطويرية المتنوعة والتي شملت مختلف المجالات، إضافةً إلى القرارات الحاسمة التي حتمًا ستشكل نقلة تطويرية في منظومة الخدمات، ولتكون شاهدًا على ما تحظى به هذه البقعة الطاهرة من عناية واهتمام الدولة حماها الله.
ولعل أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله -، الذي صدر مؤخرًا بإنشاء الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، يشير بجلاء إلى هذا الاهتمام والحرص ويعد دليلًا قطعيًا على إعطاء أهمية وأولوية قصوى للحرمين الشريفين عبر مشاريعها التطويرية واهتماماتها الحكومية، ويجسد رغبة المملكة في تطوير وتقنين الخدمات، من خلال دراسات علمية مقننة تساهم في الارتقاء بالخدمات المقدمة في مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بما يتناسب مع قدسيتها ومكانتها، وفي ظل الأعداد المتزايدة من الزوار والحجاج، حيث سيساهم القرار في توحيد الجهود والمرجعية كأسلوب عمل إداري منظم، ولتتجاوز المنطقة أي صعوبات من الممكن أن تواجهها في رحلة البناء والتطوير، ووضع الجهات الخدمية تحت مظلة واحدة للقضاء على الازدواجيات، ولتفادي عمل كل جهة بمنئى عن الجهات الأخرى، وحتى لا يكون هناك أي تضارب أو تداخل في الأعمال، مما سيساهم -بإذن الله- في تضافر الجهود في مكة للمكرمة لخدمة الهدف الرئيسي، وهناك تجارب مماثلة أثبتت نجاحها تتمثل في مُخرجات الهيئة الملكية في الجبيل وينبع على سبيل المثال، وكيف أن هاتين المدينتين أصبحتا أنموذجًا لدقة العمل والإنجاز والتنظيم.
وكلنا أمل الآن في أن تتضافر الجهود وأن تسهم الهيئة الملكية في تسريع عملية التطوير لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتعمل على التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتشغيل للمشاريع تكامليًا، لتشمل جميع القطاعات، كالطرق والنقل والصحة والتعليم والبلديات وكافة الخدمات، بحيث لا يطغى مرفق على آخر، في توازن يحقق العدالة تحت مظلة ملكية، للوصول إلى تطلعات القيادة الحكيمة في تطبيق رؤية المملكة 2030، والتي تعد رسالة واضحة وقوية لعزم حكومة خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – على تطوير العاصمة المقدسة من خلال الاستقلالية التامة للهيئة مما يساعدها في الوصول لأهدافها، وفي نقلة تعتبر تاريخية وغير مسبوقة في الاهتمام بالمشاعر المقدسة.
وما نرجوه الآن هو أن تضع الهيئة خطة عمل مقننة، بدءًا باختيار القيادات والكفاءات المؤهلة، وذوي الخبرات من المسؤولين في قطاعات مكة المكرمة، خاصة في ظل ترؤس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لمجلس إدارتها، والذي يشكل مصدرًا ودعمًا قويًا للهيئة، بما يمتلكه -حفظه الله – من نظرة ثاقبة وقرارات مستقبلية حكيمة وقوية، فمكة المكرمة تضم نخبة من المسؤولين وذوي الخبرات العالية في مختلف قطاعاتها وإداراتها ومؤسساتها، والذين يمكن أن تتم الاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم وتجاربهم العملية والميدانية، بما يمتلكونه من خبرات متراكمة في كافة المجالات، ومع ما تتميز به هذه المدينة المقدسة من خصوصية تامة تختلف بها عن سائر المدن، “فأهل مكة أدرى بشعابها”.
ونرجو أن تعمل الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وفق هيكلة إدارية وقانونية واضحة وصحيحة، كونها تشكل اللبنة الأولى لنجاح أعمالها، لتصبح جهازًا مركزيًا لديه جميع الاستراتيجيات المتناغمة والصلاحيات اللازمة لتحقيق الأهداف الموضوعة.