في معترك الحياة تخرج لنا الكثير من المشاهدات الغريبة جدًا، وهذه المشاهدات تكون صورًا ذهنية في عقول الكثير فيعتقد أنها هي الصحيحة أو أنها هي الحق المطلق، ومنها اعتقاد الكثير أن الرجولة تكمن في العصبية والصراخ والشتائم وغير ذلك من الأفعال السلبية، بل ويرون أن الهادئ هو شخص بارد لا مشاعر له، وربما أيضًا ينتقصون من رجولته، وينتقدون مواقفه الكيسة والهادئة.
وعندما نتأمل السيرة النبوية نجدها تحرص على العكس تمامًا مما نشاهده الآن، فهي تنادي بالهدوء والروية، وتنأى عن العصبية والهمجية، وتصف المؤمن بأنه كيس فطن.
وعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأشج: (أشج عبد قيس) (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ)؛ فهنا يصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي بالحلم والهدوء والصفح والتأني في الأمور وفي قياسها، والتأمل في كل أبعادها وبهدوء جميل ورائع.
ومن وجهة نظري المتواضعة أن الذي كثر أمراضنا، وزاد فينا السكر والضغط والقولون العصبي هي الشدة التي انتهجناها والعصبية التي تبنيناها جهلًا منا بخطورتها علينا وعلى علاقاتنا، ووهمنا منا بأنها هي حقيقة الرجولة المطلقة، وهذا قمة الخطأ.
وأنا أعتبر أن أكبر كرم فاض به الله علي هو الهدوء في الطباع، وهذه النعمة جعلت الكثير يتهمني بالبرود وغير ذلك من تهم، ولكني أسمعها من قائلها وأضحك كثيرًا؛ لأنني أعرف أن الأصل هو الهدوء والروية، وأن من وجدها أحبه الله ومن أحبه الله وجد بلا شك خيرًا كثيرًا.
ولكن علينا أن نفرق قليلًا بين هدوء الطباع وبين البرودة في وقت الأزمات، فهنالك فرق كبير بينهما فالنبي صلى الله عليه وسلم، كان طوال الوقت هادئًا، ولكن إذا صار خطب جلل، كان حازمًا وربما يرى الغضب في وجهه فهو هنا صلى الله عليه وسلم، يكون صارمًا في الأوقات التي تحتاج إلى ذلك، وهي قليلة ومن ثم يعود إلى هدوئه المعروف عليه الصلاة والسلام.
والهدوء حتمًا قد يكتسبه الإنسان الذي يفقده وبكل سهولة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الحلم بالتحلم وإنما الصبر بالتصبر) فبإمكانك أن تكون هادئًا إذا واجهت نفسك بعدة أسئلة لماذا أغضب، وهل ما يغضبني يستحق الغضب لأجله، وهل بإمكاني أن لا أغضب، وماذا أخسر عندما أغضب ؟ وإذا أجبت بصدق عليها ستكون هذه هي بداية رحلة هدوئك.
حكمة المقال:
كن هادئًا تصنع المعجزات. حكيم