إن السلامة و الأمان من أولوية الإشتراطات التي تؤخذ في الإعتبار عند بناء أو استئجار أي منشأة ، و يرتفع سقف تلك الإشتراطات عندما تكون تلك المباني مأوى للأنفس كالفنادق و المستشفيات و المدارس و دور الرعاية الصحية و دور الرعاية الإجتماعية ، حيث يرتفع سقف تلك الإشتراطات ليوفر أقصى درجات الأمان و السلامة لنزلاء و مرتادي و قاطني تلك المنشآت ، و تبلغ اشتراطات السلامة مداها و سقفها الأعلى في المنشآت الصحية كافة .. و أي خلل أو تهاون أو تقصير أو تغاضي في أي جزء من متطلبات منظومة السلامة في تلك المنشآت الصحية سترتفع فيه نسبة مكامن الخطورة و تقل نسبة الأمان بقدر نسبة الخلل و التقصير في منظومة السلامة ، فتتراوح النتائج بين الحوادث المحدودة و المتوسطة و المتطورة وصولاً إلى الكوارث .. و ملاحظ جداً سعي المسؤولين في المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة للإرتقاء بكافة الخدمات و الإجراءات المقدمة للمواطنين و المقيمين و حجاج و معتمري بيت الله الحرام .. و لعل الحال يقودنا إلى تبيان أنموذجاً مفعلاً لمنشأةٍ صحية ممثلة في مركز الرعاية الصحية الأولية بالزهراء بمكة المكرمة حيث يحتضن ذلك المبنى المستأجر كل معطيات الكارثة بكل ما تحمله من معنى ، فنسبة السلامة و الأمان به تصل إلى الإنعدام ، فالمبنى مكون من خمسة طوابق تقريباً في موقع مزدحم يصعب فيه وصول آليات الإنقاذ و الإطفاء و محاط بمدرستي بنات و بنين ، و المبنى ضيق جداً في غرفه و ممراته و سلم درجه عديم التهوية و الذي لايسمح بمرور أكثر من شخص في آن واحد .. و المكمن الخطير في ذلك المبنى وجود أحد عشر عداداً للكهرباء في مدخله الوحيد و الذي يكفي اشتعال أحدها في إحداث كارثةٍ يستحيل السيطرة عليها ، فلا يستطيع من بداخل المبنى الخروج من بوابته الضيقة و الوحيدة و الإستسلام لجحيم الأدخنة المتصاعدة السامة و القاتلة ، و المكمن الأخطر أنه لا يوجد بالمبنى سلم خارجي للطوارئ و هو الملاذ الآمن في تلك الظروف لأي منشأة .. فيترشح بعد كل ذلك أن ذلك المبنى غير آمن إطلاقاً و لا يوفر أدنى درجات السلامة لرواده من المرضى من كبار السن و النساء الحوامل و الأطفال و جاهزة فيه كل معطيات الكارثة .. و نعلم جيداً الصعوبات التي تواجهها وزارة الصحة في التوفيق بين إيجاد المبنى الملائم و تحقيق و تلبية رغبة الأهالي في قرب تلك المراكز من مساكنهم في ظل ظروف مواقع بعض الأحياء ذات الصبغة العشوائية.. فمواجهة تلك الصعوبات و المعوقات و إيجاد الحلول و التعامل معها دون التنازل أو التغاضي عن جزءٍ من منظومة السلامة خير من مواجهة الكارثة و التعامل مع نتائجها .. فيجب الحذر من تلبية رغبة مبنية على منافع ذاتية تفضي إلى تساهل و تفريط في سلامة أنفس مريضة و بريئة .
0