في مشاركة لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في منتدى (مبادرة مستقبل الاستثمار) في الرياض، والذي حضره حشدٌ من الاقتصاديين ورجال المال والأعمال والإعلاميين قال: “إن السعودية لم تكن كذلك قبل عام 1979، والتي انتشر فيها مشروع الصحوة وأننا نريد العودة فقط إلى ماكنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان”.
بهذه الكلمات المقتضبة لخص سموه الكريم سياسة الوسطية والاعتدال التي ننشدها كدولة أصبحت من مجموعة الدول العشرين في العالم، ومن العبث أن يكون التشدد هو القطب الأوحد في التعامل مع العولمة التي تجتاح المجتمعات، وتتطلب قدرًا من الوعي والمرونة للتكيف مع تيارات وفضاءات متنوعة.
وحيث إننا نريد العودة إلى فترتي الستينيات أو السبعينيات، والتي كنت فيها طفلة شاهدة على الترفيه البريء، سأروي بعضًا من ملامحها؛ لتكون لنا نبراسًا في العودة إلى الوسطية والاعتدال دون بهرجة وتنازل عن بعض القيم والمبادئ؛ فقد كانت هناك بعض العوائل التي تجعل من أسطح منازلها قاعات لعروض الأفلام المصرية، وكانت تستقبل النساء والأطفال في أيام محددة، والرجال في أيام أخرى.
ولعل عائلة الجمجوم وعائلة الهندي من أوائل العوائل في جدة التي افتتحت دورًا للسينما ..
لم يكن التنزه حكرًا على أحد فقد كانت هناك متنزهات وحدائق للعوائل٬ وملاهي٬ ومراجيح للأطفال في جدة التاريخية٬ وأخرى على أطراف المدينة بسيطة تذهب إليها العائلات .. الكل يحترم المكان والآخرين.. وهي سمة طُبعت في النفوس في الشخصية السعودية التي طبقت منهج القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة التي قامت عليها الدولة السعودية منذ تأسسيها على يد المغفور له – بإذن الله تعالى- الملك عبد العزيز طيب الله ثراه فكان تطبيق الشريعة الإسلامية منهجًا وسلوكًا، وأسلوب دولة، وحياة مجتمع.
وحينما جاء تيار التشدد الذي أغلق نوافذ الحياة، ونفر الناس وصور عذاب جهنم أكثر من تصوير الجنة وترغيب الناس فيها ..فنّفر ذلك الأسلوب الكثيرون وأصبحنا نعيش بين طرفي نقيض.. أحدهما يرى أن الإسلام انعزال عن العالم.. وآخر فهم الترفيه أنه انفلات وخروج عن الآداب العامة… وما شاهدناه في حفل عكاظ من خروج فتاة تقبل الفنان ماجد المهندس، وما قيل إنها مختلة نفسيًا وعقليًا وغيرها من المبررات.. فلن تكون الأولى والأخيرة، بل ستطفو على السطح مشكلات متنوعة ومخالفات أخلاقية اخرى لا تتناسب مع قيمنا وأخلاقنا الإسلامية؛ لأن بعض البرامج التي وضعتها هيئة الترفيه تسمح بشيء من الانفلات، وبما يوجد نوع من الفوضى، والتي تسمى زورًا في بعض المجتمعات (الفوضى الخلاقة)٬ وهي التي عرفها مؤلف كتاب ( كن مسلمًا ليبراليًا ولا تكن ليبراليًا مسلمًا) للأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي: “إنه الانحراف عن تزييف الحقائق.. فهل الخلاقة صفة لجماليات واستقرار الشعوب وزيادة إنتاجها التربوي.. فهي لا تكون خلاقة للأحسن إنما خلاقة لما يناسب الفوضى للأقبح؛ وخاصة إذا وصلت الفوضى إلى مستويات من الانفلات غير المحسوب في تجاوز الحد “.
وحتمًا إذا أردنا ترفيهًا بالسعادة فيكون متوازنًا وبما يتوافق مع قيمنا الإسلامية، فلابد أن تكون بصالات نسائية توفر خصوصية عالية للنساء؛ ففي الطائف المأنوس كنا نذهب إلى البساتين في ايام محددة نطرب ونرقص على أصوات الفنانات السعوديات: إبتسام لطفي وتوحة، وكرامة، وعتاب .. وغيرهن. وكانت هناك أماكن مخصصة للشباب للطرب، والمشاركة في الرقصات الشعبية التراثية مثل: المزمار والخبيتي والعرضة .. وغيرها من الرقصات: لتكون هناك حرية أكبر للتعبير عن الذات بالفرح والسعادة … فهيئة الترفيه الموقرة حينما منعت التمايل بالأجساد أو حتى رفع الأيدي .. جعلت منه تنظيمًا مضحكًا..!! فحينما يطرب المرء فهو يعبر عن مشاعر الأنس بالرقص والتصفيق والتمايل، وهذا ما شاهدناه – للأسف – في بعض حفلات هيئة الترفيه حيث ترقص النساء مع الرجال – حتى وإن كن محجبات – فهذا مخالف لقيمنا وأخلاقنا الإسلامية.
لذا فإن تطبيق أساليب الترفيه الغربية، والتي أصبحت برامج نسخ ولصق لا تتناسب مع الذوق العام ولا تتوافق مع مكوناتنا الثقافية، ومن المؤسف أن لا تكون لنا إبداعاتنا وابتكار وسائل متنوعة للترفيه؛ فهناك المعارض التشكيلية، والكثير من الهوايات لاستقطاب الشباب وإبداعاتهم في كل مدينة حسب كنوزها الطبيعية والحضارية مثل: الطيران الشراعي، والصيد، ومسابقات الحرف المتنوعة، والكوميديا، ومهرجانات الورد والمنقا وغيرها .. فلماذا يقتصر الترفيه على الغناء والموسيقى وفرق أجنبية ؟؟!! نتمنى أن تعي هيئة الترفيه احتياجاتنا للترفيه وتبتكر من الوسائل ما يشعرنا بالسعادة دون خدش لقيمنا وأخلاقنا الإسلامية !!