أ. د. عائض الزهراني

وعي نقي ولا غي شقي

تلبسنا الدهشة، ويعترينا الإحباط، لما يحدث على الخارطة الذهنية العربية من نماذج تعتلي المنابر الثقافية وأخرى تشرف على وسائل الإعلام المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة، ويضاف لها الإعلام الجديد السوشال ميديا المتعددة وما يشحن بينهم في تضاريسها وفضائها من كر وضيع، وغدر شنيع، وإغارات أيديولوجية، ومعارك شخصية، واتهام، وتزييف، وتلفيق، وتحريف متبادل، بسهام لفظية مدببة، غير مهذبة.

وزاد الأمر بلة سوء اتساع دائرة الصراع المرير، والاختلاف البغيض، لتشمل بعض المثقفين والأدباء والصحفيين المؤدي لجيلين لتنفيذ أجندات لجهات مختلفة
أو لتيارات متشددة أو مسترخية،
و هذا هو واقعنا الثقافي المعاصر المؤلم الذي شخص داءه بدقة ناقد العقل العربي المغربي الجابري
(إن تاريخنا الثقافي على مساحة أرض الوطن العربي، كما نقرأه اليوم في مصادر تراثنا وما يلقن في مدارسنا وما يطرح في أروقة جامعاتنا وهو تاريخ فرق، وتاريخ طبقات، وتاريخ مقالات، وتاريخ صراعات وحروب أيدولوجية، ومعرفية، إذن إنه تاريخ مجزأ مبعثر، وتاريخ انقسام، واختلاف في الرؤية والرأي وليس تاريخ بناء الرأي، وأن طريقة القدماء، هذه كانت تمليها عليهم ظروفهم،
و لذلك فلا معنى للومهم، وإنما اللوم كل اللوم، لانقيادنا الأعمى، لما كان نتاجًا لظروف تاريخية خاصة ولتعاملنا معه؛ وكأنه حقيقة مطلقة.
إن هذا الانقياد يصرفنا عن اكتشاف الكل، الذي يحمل فعلًا الوحدة الثقافية العربية،
ذلك أن وراء تاريخ الاختلاف، والتعدد، والصراع، والانفصال، يثوي تاريخ الوحدة، والتكامل والاتصال، وإذن على أنقاض تاريخ الانقسام المجزأ المتناثر، يجب علينا أن نبني تاريخ الكل الموحد فنحن في حاجة إلى إعادة كتابة تاريخنا الثقافي،
ويتطلب ذلك إصلاحية تهز العادات السلبية، وتزعج الرؤية الجامدة للأشياء وتتطلب تبدلًا في المواقف وإعادة صهر للعقليات المشوشة والمنغلقة،
ولابد لمن يرقوا المنابر أن يخرجوا من خوفهم الانحباسي الثقافي والديني، وأن يتعاملوا مع الفكر الموروث بطريقة الفصل والوصل،  نفصله عنا لنعمل بعد ذلك على وصله بنا، أو وصلنا به، بذلك نؤكد أننا محتاجون إلى العقلانية الواعية،
التي تنبذ التعصب البغيض المغتال للإبداع، والقامع للآراء الحرة، والمطفي لضوء الوعي عبر عقليته المتخلفة الجافة؛ وأن يتسم حوارنا، بالهدوء والتفهم، والتفكير الإشراقي الدافئ، ولا يتحقق ذلك إلا باتساع الدوائر المعرفية المنفتحة، والخرائط الفكرية، وتطهيرها وتطويرها والتوهج بالأفكار العميقة، والمفاهيم الدقيقة، والانفتاح بروح التعقل، لإبداعات الحضارات الأخرى، وإعطاء العقل مبررات وأسبابًا للتطور والتغيير ليتحقق التنوير.

* ومضة،،
” إننا ما لم نؤسس، ماضيًا تأسيسًا عقلانيًا، فلن نستطيع أن نؤسس حاضرًا ولا مستقبلًا بصورة معقولة”.

Related Articles

2 Comments

  1. كلام جميل
    وما يقال على المنابر لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button