حاول النظام الإيراني محاكاة ثورات الربيع العربي في العالم العربي بعدما وصفها النظام بأنها نتاج مؤامرات صهيونية وأميركية استعدادًا وخوفًا من أن تمتد هذه الثورات إلى إيران.
أي أن إيران لن تستمر بارعة إلى الأبد في ترحيل أزماتها الداخلية وحالة الفشل الاقتصادي وتفعيل امتداداتها الخارجية في استثمار السياسة الخارجية التي تسعى لكسب مزيد من الولاءات الخارجية خوفًا من عودة الاضطرابات تشبه ما حدث لإيران من حركات ضد إعادة انتخاب احمدي نجاد عام 2009 للولاية الثانية.
لكن أحمدي نجاد حاول بعد ذلك أن يستثمر تلك الثورات العربية لصالح إيران، وبدأ يدعمها عدا الثورة السورية على اعتبار أنها من دول الصمود والممانعة وهو ما فضح الموقف الإيراني أمام العرب وبقية المسلمين المتعاطفين مع مشروع الممانعة والمقاومة، واكتشفوا بأنه مشروع قومي فارسي.
ادعت الجمهورية الإسلامية بأن الثورات العربية مستلهمة من تجربة إيران في عام 1979 وسمتها بالصحوة الإسلامية، واهتم الإعلام الإيراني الرسمي بإظهار الثورات العربية بشكل ايجابي باستثناء الثورة السورية، وبدا معها الترويج لآية الله خامنئ كإمام لهذه الثورات وليس كمجرد آية من الآيات، وبهذا يتغير اسم إيران من جمهورية إلى إمامة، وبذلك يصبح خامنئ قائد المسلمين في العالم، بديلا عن السعودية التي تتزعم العالم الإسلامي باعتبارها حامية وراعية الحرمين الشريفين خصوصًا وأنها تتصف بسياسة هادئة ورزينة، وترفض تصنيف الحجاج أو تسيس الحج والعمرة، رغم محاولات إيران ودولة قطر اتهام المملكة العربية السعودية من أنها تسيس الحج، لكن السعودية لم تعط أي سبيل لأي دولة بأن تستغل موسم الحج لغايات سياسية.
اتخذت إيران عدة خطوات لتعزيز فكرتها منذ ثورات ما تسمى بثورات الربيع العربي، وقامت بخطوات على الأرض ودعوتها لإقامة مؤتمر الصحوة الإسلامية في طهران يعقد كل سنة، واستطاعت هذه المؤتمرات جذب أكثر من 600 باحث وقائد سياسي من 53 دولة يفتتحها خامنئ، ويقدم في هذه المؤتمرات بأن آية الله الخميني الراحل رائد الصحوة الإسلامية، ما يعني أن آية الله خامنئ يعتبر خليفته، ويجب أن يتعامل معه العالم الإسلامي على اعتبار أنه أمام المسلمين بهدف منازعة السعودية حسدا.
وكان خامنئ يقول إن الثورات قامت من أجل المطالبة بأن ينصب آية الله خامنئ إمامًا لهم، وهذا التنصيب من قبل إيران لآية الله خامنئ إمام المسلمين ابتداع جديد يأتي لاحقًا بعد قبول المسلمين بولاية الفقيه مجازًا وليس حقيقة، وكذلك يتم إسقاط الاعتراف بإمامة آية الله خامنئ مجازًا وليس حقيقة.
وجد الملالي الملاذ الأخير لمحاكاة الثورات العربية، بأن معاداة أمريكا مع قدر لاذع للصهيونية المشترك المفترض مع الثورات العربية بل إن علي أكبر ولايتي وزير خارجية سابق كانت له شجاعة من أجل أن يتقرب من خامنئ لاستعادة منصب جديد في إيران، فقد ادعى بأن الثورات العربية كانت مدفوعة بكراهية الشيطان الأكبر، والغريب أن كافة الثورات العربية لم يرفع فيها شعار واحد مضاد لأمريكا ولا للشيطان الأكبر، بل كل الشعارات كانت ترفع ضد الأنظمة، وبعضها كان يرفع شعاراته ضد حزب الله وإيران التي تدعم النظام القمعي في سوريا ضد الشعب السوري.
وغاب عن المؤتمر الذي دعت له طهران في 28/4/2013 نشطاء من سوريا، بينما شارك اثنان من الحوثيين، مما يدل على أهمية اليمن في المشروع الإيراني قبل أن تبدأ عاصفة الحزم، وكأن إيران بهذا المؤتمر تريد أن تلغي منظمة التعاون الإسلامي، وتحل محله كيان آخر منافس له وهو مؤتمر الصحوة الإسلامية ويرأس أمانة هذا المؤتمر آية الله خامنئ، وهي أحد الأسباب الرئيسية التي رفض فيها الحرس الثوري تلبية وزير خارجية إيران ظريف دعوة الأمير سعود الفيصل رحمه الله لحضور مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة في نفس وقت عقد مؤتمر الصحوة الإسلامية في طهران.
رغم أن مصطلح الصحوة الإسلامية الذي بلغ أوج صعوده في السبعينيات من القرن المنصرم، حيث أرادت إيران وضع ما يسمى بالثورات العربية في سياق التصنيف الأيديولوجي التقليدي، وحاولت إيران الترويج من أن المقصود من الصحوة الإسلامية هو هذا النهوض الذي أنتج وعيا لهدم أكبر قلاع الاستبداد والتبعية، وتأكيد مرشد الثورة على خامنئ من أن هذه الثورات هي امتداد للثورة الإسلامية في إيران.
فإيران لا تزال تصمم على الاستمرار في الاوهام بعد سقوط الاوهام السابقة التي روج لها حسن نصر الله في لبنان من قبل، واستطاع تأجيج عواطف العامة وحتى المثقفين من المسلمين خصوصًا عندما حارب حسن نصر الله اليهود، فكانت فرصة مواتية لإيران لتعزيز ولاء المسلمين لحسن نصر الله الذي يتبع ولاية الفقيه.
إيران منزعجة اليوم من توقف هذا الولاء خصوصًا بعدما تم حرق صور المرشد على خامنئ في إيران نفسها أثناء الثورات الأخيرة، وكذلك حرقها في البصرة وفي بقية مدن العراق بعدما قطعت إيران الماء والكهرباء عن البصرة بعدما تأكد للعراقيين بأن إيران تصدر لهم الوهم والخرافات وهي العدو الأول لهم.
تحول هذا الولاء إلى حسرات وندم على الماضي، وعلى التغرير الذي ساقهم حسن نصر الله وبقية المنتفعين من إيران وعلى رأسهم قادة الحشد الشعبي في العراق، إلى وجهات لا يدركون حقيقتها، ولكن تلك الحقائق بدأت تتكشف اليوم وتنجلي العتمة، وتحطمت كل الآمال على صخرة الواقع، خصوصًا بعد مشاركة حسن نصر الله النظام القمعي في سوريا وبقية مليشيات الحشد الشعبي والمشاركة في قتل السوريين خدمة للأجندة الإيرانية.
إيران منزعجة منذ فترة طويلة من العرب عندما رفضت كل من ليبيا وتونس ومصر من استقبال احمدي نجاد أثناء ولايته قبل أن يتولى روحاني الإصلاحي أثناء عودته من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه زار السودان وموريتانيا آخر دولتين بهما نظام عسكري محاولًا الحصول على موطئ قدم لإيران في تلك المناطق والحصول على تبعية جديدة لولاية الفقيه ولإيران.
لكن السعودية وقفت لإيران سدًا منيعًا، وأقنعت السودان بخطر ولاية الفقيه على أمن المنطقة العربية وعلى المصالح المشتركة خصوصا وأن هناك توجه عالمي جديد في عهد ترمب يمكن أن تشترك السودان مع إيران في العقوبات المفروضة على إيران ووكلائها، اضطرت السودان على طرد وكلاء ولاية الفقيه من السودان، بل وساهمت في عاصفة الحزم مع التحالف العربي بقيادة السعودية لإخراج إيران من اليمن، وهو ما يعتبر أن السعودية تقف بالمرصاد للنفوذ الإيراني في المناطق التي تحيط بها وتعتبرها خطوط حمراء لا يمكن أن تتساهل في تواجدها.
استاذ بجامعة ام القرى بمكة