في مدينة أبو عريش بمنطقة جازان مبادرة سياحية تستحق التنويه. فخلال زيارة نظمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار للصحفيين تعرفنا على مشروع ريادي للسياحة الزراعية؛ ففي مزرعة واسعة يملكها رجل عصامي من أبناء المنطقة هو الشيخ محمد الجبلي، أقيمت استراحات مصممة ومؤثثة على الطراز المعماري التراثي المحلي.
وتتكون كل منها من بيت للإقامة ومسبح وخدمات أخرى. وفي المزرعة التي تشتهر بأجود أنواع المنقا الجيزانية ممر حلزوني طوله كيلو متر يمر وسط غابة من الأشجار المثمرة. ويستمتع المقيمون بقطف الفواكه والخضراوات في سلال لشرائها، أو التنزه وممارسة رياضة المشي أو التسوق بمنطقة السوق التراثي ويشمل المطعم والمقهى وملاعب الأطفال في منتصف المشروع.
فكرة السياحة البيئية والزراعية التي يتبناها أمير السياحة سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تهدف إلى إشاعة الوعي الزراعي وتعريف السائح وأسرته بالإمكانيات والمناطق الزراعية في البلاد، وتوفير مصادر دخل إضافية للمزارعين وإيجاد مناطق إيواء جديدة ومختلفة للسائح، خاصة للأسر وعشاق البيئة.
ففي بيئة كهذه يستطيع السائح أن يتمتع بحياة ريفية بسيطة مع أسرته، ويتذوق منتجات المزرعة الطازجة من خضراوات وفواكه ولحوم وألبان، ويمارس رياضات المشي وركوب الخيل والإبل وتسلق المرتفعات والسباحة، ويتعرف على تراث المنطقة المحيطة ويزور أحياءها وأسواقها الشعبية ويستكشف سواحلها وجبالها ووديانها.
وقد أشارت الدراسات التي أجرتها الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى أن الفوائد الاقتصادية التي تعود على المناطق الريفية مجدية، ولكن ما يفوقها جدوى الفوائد الاجتماعية والوطنية؛ فالمواطن الذي قد لا يعرف عن بلده ومجتمعه غير المدن الرئيسية وسكانها، سيجد أن بلاده أرحب بكثير وأن مجتمعه وثقافته أعظم تنوعًا وثراءً. ولعلها فرصة لكثير من الأسر التي توزع أفرادها في مختلف مناطق المملكة للتواصل، وللأبناء الذين لم يزوروا ديرة آبائهم أن يعودوا إليها صلة للرحم وتعرفًا على تاريخ أسرهم وجزء مهم من بلاده.
وللجيل الجديد الذي عاش طوال حياته في غابات الإسمنت والإسفلت بالمدن فإنها فرصة لبناء علاقة جميلة مثمرة مع الطبيعة ومنتجاتها النباتية والحيوانية.
ندعو لهذه الجهود وروادها كالشيخ محمد الجبلي وأبنائه بالتوفيق والنجاح. والشكر موصول لداعمي هذه المشاريع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
عندما تولى أمير السياحة سلطان بن سلمان رئاسة الهيئة العامة للسياحة كان المشهد السياحي في البلاد يفتقد بشدة لمفاهيم أساسية كمفهوم الإرشاد السياحي. والسياحة البيئية. ولذا فقد كانت من أولويات الهيئة في سنواتها الأولى تأسيس قواعد مهنية علمية راسخة لهذه المفاهيم.
وبالفعل، فقد تم تدريب نخبة من المدربين السعوديين على يد خبراء من الاتحاد العالمي للمرشدين السياحيين والذين تولوا بدورهم تنفيذ دورات تدريبية في الإرشاد السياحي لمواطنين في مختلف مناطق المملكة. والهدف أن يتولى الخريجون من المرشدين المرخصين قيادة المجموعات والوفود خلال زيارتها للمواقع والمناطق السياحية وتعريفها بتراث بلادنا ومعالمها وشواهد نهضتها وتطورها بأسلوب مهني عالمي. كما يتم تشجيع المرشدين على افتتاح مكاتب ووكالات سياحية تتعاقد مع شركات الحج والعمرة والشركات الأجنبية والقطاعات العامة والخاصة التي تحرص على تعريف ضيوفها بمدن ومناطق المملكة خلال زيارتهم.
كما اهتم الأمير سلطان بن سلمان بالسياحة البيئية وشجع النزل الريفية، وهي عبارة عن وحدات سكنية على شكل فلل واستراحات تنشأ في مناطق زراعية بحيث توفر لنزلائها بيئة صحية وطبيعية جاذبة لعشاق هذا النوع من السياحة. وتدعم الهيئة العامة للسياحة المشاريع القائمة وتشجع المبادرات الشخصية في هذا المجال وتمدها بالخبرة والقروض والدعم المباشر والتسويق.
مؤخرًا كنت على موعد مع تجربتين ثريتين من إنجازات الهيئة في مجالي الإرشاد السياحي والسياحة البيئية. فقد تشرفت كمدرب إرشاد سياحي بتدريب أول مجموعة مرشدين سياحيين في منطقة جازان، ودعيت إلى زيارة أول منتجع من نوعه في المنطقة، هو “قرية روابي أبو عريش التراثية”.
وفي التجربة الأولى أسعدني الحماس الذي وجدته عند سبعة عشر متدربًا، مروا باختبارات دقيقة وضعتها الهيئة لاختيار أفضل المتقدمين لدورتها المجانية، ولحظت وزميلي المدرب خالد معجب القحطاني، ومساعدنا فريح الشمري من مجموعة الرواد، أن أبناء جيزان يتمتعون كهبة ربانية بأهم مزايا المرشد السياحي من الكرم والبشاشة والثقافة وحسن التعامل، وبالتالي فقد سهلت مهمتنا وتحددت في تعريفهم بتقنيات الإعداد والتنظيم والعرض والتوجيه.
وفي التجربة الثانية فاجأني الشيخ محمد بن عبدالله الجبلي بأنه ليس مزارعًا وصاحب قرية تراثية ونزلاً سياحية فحسب، ولكنه صاحب تاريخ طويل في المبادرات الزراعية. الشيخ الجبلي، وهو بالمناسبة خريج المعهد الأمريكي الزراعي، في الأردن، استطاع خلال عمله في مركز الأبحاث الزراعية في محايل عسير فجازان، ثم كمزارع مستقل، أن يستزرع الأرز والمناجو والباباي. وهو أول من ادخل زراعة المناجو على نطاق واسع في جيزان واليوم يجري التجارب على زراعة القطن. كما أنه، وبدعم من إمارة منطقة جيزان والهيئة العامة للسياحة، يستكمل إنشأ أول قرية سياحية متكاملة في المنطقة، تحوي نزلًا زراعيًا، وسوقًا تراثيًا، ومسرحًا ثقافيًا مفتوحًا على نسق مسرح جرش. إضافة إلى مزرعته العضوية التي تعتمد السماد الطبيعي ولا تستخدم المواد الكيمائية.
كما التقيت المدير التنفيذي لفرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بجازان الأستاذ رستم مقبول الكبيسي وأسعدني ماسمعته، وشهدته من إنجازات وخطط ورؤى لمشاريع قادمة. فهيئة السياحة تتعاون مع الإدارات الحكومية المعنية ضمن مجلس تنمية السياحة الذي يضم خمسة عشر عضوًا و يترأسه وينهض به منذ إنشائه أمير المنطقة محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، فتساهم على سبيل المثال في إقامة كورنيش جديد، وحدائق عامة، وتدعم القرى التراثية، وتشجع المتاحف والمبادرات الشخصية. وقد بشرني الأستاذ رستم باستعدادات سياحية كبيرة لافتتاح الصالة الدولية بمطار الملك عبدالله بجيزان نهاية هذا العام ووصول زوار المنطقة من دول الخليج خاصة في الموسم الشتوي القادم.
زيارتي الأخيرة لجيزان وما شهدته من تطور وتنمية تبشر بمرحلة سياحية حافلة، آمل أن يواكب ذلك استثمارًا سياحيًا موازيًا خاصة في مجال الفندقة والترفيه، فالسياحة هي الذهب الأبيض الذي لا ينضب، وبلادنا تزخر بالإمكانات التي لم تستغل والإمكانيات التي لم تستثمر والمواقع البكر التي تستغرب تأخر المستثمرين.
نعم ابوفهد له سواعدذهبية في إنجاز كبير برزعلى
مستوي عالي لجذب السياح وابرزتراث المنطقة بصورة رائعة مشرفة تخلدفي الأذهان .