أسامة زيتوني

الحج التقني

قدمت المملكة العربية السعودية وعلى مدى تاريخها، نموذجًا فريدًا، في خدمة حجاج بيت الله الحرام وتطوير شعيرة الحج، وهي خدمة نابعة من عقيدتها وإيمانها العميق، بضرورة تقديم أفضل الخدمات وتهيئة كل سبل التيسير والتطوير لأداء هذه الفريضة العظيمة.

ولقد سخرت حكومة المملكة كل إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية لمشاريع التطوير والتوسعات التي لم تتوقف طيلة العقود الماضية؛ رغبة في تسهيل أداء هذه الفريضة والعمل على توفير كافة سبل الراحة والطمأنينة للحجاج لينعموا بأداء المناسك بأعلى درجات العناية والرفاهية، ولتسيير وإتمام أعمال الحج بيسر وسهولة وانسيابية عالية.

ولم تتوقف عجلة التطوير والتحديث لمشاريع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ففي كل عام نلاحظ عددًا من المشاريع أو الإجراءات الجديدة التي تحدث تميزًا في الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين والزوار، وتشكل إضافة جديدة، كما أنها تشير بجلاء إلى ما تزخر به المملكة من إجراءات وخدمات ابتكارية مستمرة، تتواكب مع متطلبات موسم الحج والأعداد المتزايدة من الحجاج.

فالجهود الكبيرة التي تقوم بها الحكومة السعودية لراحة وخدمة ضيوف الرحمن تشهد تطورًا كبيرًا عامًا بعد عام، وخلال سنوات قليلة شهدت مكة المكرمة نموًا كبيرًا وازدهارًا غير مسبوق قل أن تجد نظيره في أي بقعة في العالم، وهو ما يظهر جليًا في مستوى الرضا العام من قبل مرتادي هذه الأماكن المقدسة من الحجاج والزوار ورؤساء بعثات الحج والوزراء والمسؤولين وغيرهم، الذين يرون بأعينهم ضخامة المشروعات والخدمات التي تقدمها المملكة، حتى أصبحت رحلة الحج رحلة ممتعة ومرفهة.

وفي كل عام يشهد الحج خدمات جديدة تقدم لأول مرة، ولعل ما يميز حج هذا العام هو التطبيقات الذكية التي تم التوسع في استخدامها من قبل كافة الجهات الخدمية وعلى نحو لم يشهد له مثيل.

فما نشاهده اليوم أن جميع الجهات الخدمية والوزارات والإدارات المدنية والعسكرية العاملة في الحج، عمدت إلى استغلال التقنية بشكل موسع، أكثر من الأعوام السابقة واستحداث عدد من التطبيقات الذكية التي ساهمت وتساهم بشكل كبير في توفير الخدمات بين يدي الحاج بطرق وأساليب سهلة وميسرة، لتمكينه من تنفيذ كل ما يحتاجه من الخدمات الموفرة له عن طريق هذه التطبيقات الذكية، سواء ما كان منها يتعلق بالخدمات الصحية أو خدمات الغذاء والتموين أو خدمات السكن والتنقلات أو ما يتعلق بسفره وقدومه، بل وحتى خدمات التسوق والترفيه وغيرها من الخدمات.

وقد حرصت حكومة المملكة على استغلال هذه التقنيات وفق أعلى المستويات، وهو ما يؤكد حرص المملكة ومضيها الجاد نحو تحقيق رؤية 2030، من خلال تقديم استراتيجية متكاملة لتطوير منظومة الحج، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر من المسلمين في تأدية المناسك وبخدمات أرقى وأفضل، وفي وقت يتعاظم لدى المسلمين، أهمية الحفاظ على هويتهم الإسلامية واستكمال متطلبات شعائرهم الدينية.

ومما يؤكد هذا التوجه من قبل حكومة المملكة وهذه الرغبة في تطوير أعمال الحج، الهاكاثون الذي عقد مؤخرًا بمدينة جدة، والذي يقام للمرة الأولى في السعودية بتنظيم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وقد كسر الرقم القياسي كأكبر هاكاثون في العالم، واستقطبت نسخته الأولى مطورين من الجنسين من أكثر من (50) دولة بما فيها المملكة ودول الخليج، وتجاوز عدد المشاركين (28.000) شخص من المطورين، إذ تم التنافس لأجل تقديم مبتكرات وأفكار وتطبيقات ذكية ضمن أكبر تحدٍ تقني على الإطلاق في الشرق الأوسط.

وهو يهدف إلى استقطاب العقول الرائدة في مجال البرمجة، والاستفادة من ابتكاراتهم التقنية للمساهمة في إثراء وتحسين تجربة الحجيج؛ كما يؤكد التزام المملكة بتحفيز المناخ الابتكاري والوصول إلى الريادة الإقليمية والعالمية في مجالات التقنية؛ مما يصب في مصلحة دعم الطاقات الشابة وتوفير الفرص المتنوعة لها، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، وهو يعد استمرارًا لجهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن واغتنامًا للمواهب التقنية الشابة، التي تبرز ضمنها مشاركة المرأة في استكشاف وتطوير تقنيات موسم الحج.

وإجمالاً فإن ما تقدمه المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا، هي خدمات تفوق الوصف، حيث أبهرت هذه القفزات الكبيرة كل المتابعين وزوار بيت الله الحرام، ولو حاولنا إحصاء الجهود المبذولة في كل جانب لطال بنا المقام، وليس في هذا مبالغة أو تفاخر، فالجميع بلا شك يستشعر ويدرك عظم الموقف وشرف المسؤولية، والذي يأتي بتوفيق من الله تعالى لحكومة هذه البلاد المباركة وشعبها المضياف، وما يبذلونه من جهود مخلصة.

وهاهم ضيوف الرحمن، يتوافدون من كل فج عميق، فرحين مسرورين لتأدية مناسكهم في هذه الأجواء الروحانية، راجين من الله تعالى المغفرة والرحمة والقبول، لاهجين بالدعاء، دونما شكاوى أو تذمر، بل بكل راحة ويسر وطمأنينة، وهو ما يعكس نجاح الخدمات بفضل الله سبحانه وتعالى٬ ثم بجهود المخلصين.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button