المقالاتد. عبدالحفيظ محبوب

كيف تعاملت أوبك مع طلب إيران في عقد اجتماع استثنائي؟

(قلق في طهران من قدرة السعودية وروسيا على تعويض نقص النفط)
بعد تهديد إيران بغلق مضيق هرمز، إذا حاولت الولايات المتحدة وقف صادرات النفط الإيرانية، لكن فوجئت إيران بأن أمريكا أعدت غرفة عمليات حرب ضد إيران حسب تصريح وزير خارجية إيران “ظريف” الذي قال: لا يمكن أن نستدرج لمواجهة مع أمريكا بالسقوط في فخ عمليات الحرب هذه، واللعب على جبهة قتال.

تتطلع الولايات المتحدة إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية مع حلول المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية؛ لإجبارها على وقف برامجها النووية والصاروخية وتدخلها في الصراعات الإقليمية.

لجأت إيران عبر وزير النفط الإيراني “بيجن زنغنة” إلى أوبك وقوله بأن أوبك قد تحتاج إلى اجتماع استثنائي إذا فشلت المنظمة في منع أعضائها من تعديل إنتاجهم من الخام من دون الحصول على موافقة، ويرأس المنظمة دولة الإمارات وأرسل له تحذيرًا من توزيع المنظمة والمنتجين خارجها توزيع زيادات في الإنتاج بين منتجين آخرين، لكن المنظمة قللت من احتمال عقد اجتماع استثنائي، وأنه لا توجد حاجة لمثل هذا الاجتماع.

دعا ترامب أوبك لزيادة إنتاجها من أجل خفض أسعار النفط، وقال وزيرا السعودية وروسيا في مايو 2018 إنهما مستعدان لتهدئة مخاوف المستهلكين بشأن الإمدادات، وقال “غريب آبادي”: تؤمن إيران بأن على أوبك أن تدعم أعضاءها بقوة في هذه المرحلة، وأن تتصدى لمؤامرات الدول الساعية لتسيس هذه المنظمة، لكن نسي غريب أن إيران هي الدولة المعتدية على العرب وهي التي تمددت في المنطقة العربية في اليمن وفي العراق وفي سوريا ولبنان.

في المقابل صرح محللون دوليون بأن منتجي أوبك لم يأخذوا حصة إيران إنما ألغوا التخفيضات الطوعية الزائدة، وعادوا إلى نسبة مطابقة 100 في المائة، وهو ما أدى إلى زيادة الإمدادات النفطية.

دخلت العقوبات الأمريكية على إيران التي صدرت نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا من الخام في يوليو 2018 حيز التطبيق رسميا في 7 أغسطس 2018، وستخرج العقوبات على إيران إمدادات إضافية قدرها مليون برميل يوميًا في الأسواق.

طلبت بعض الدول استثناءات لكن أمريكا رفضت وكانت صارمة في الامتثال للقرارات الأمريكية ومنع تعرضهم لعقوبات مماثلة، لأنهم لا يستطيعون أن يضحوا باستثماراتهم في أمريكا الضخمة، مما أدى إلى انهيار واسع في العملة الإيرانية وفرض المحاذير على شراء إيران للدولار وعلى تداول المعادن، وانخفضت الصادرات الإيرانية بسرعة وتراجعت 700 ألف برميل في أسبوعين بعد امتثال الهند بشكل كامل للعقوبات الأمريكية وبكين وسيول خفضتا مشترياتهما من الخام الإيراني رغم المواقف الدفاعية الصينية ضد أمريكا، حتى 26 أغسطس 2018.

أظهرت بيانات أن تدفقات النفط الإيراني إلى أوربا هبطت منذ بداية العام 2018 بنسبة 35 في المائة إلى نحو 415 ألف برميل يوميًا، بينما زادت الشحنات السعودية والعراقية 30 في المائة، بنحو 245 ألف برميل يوميًا لتغطية أي نقص في إمدادات الخام الإيراني.
أكدت شركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة توتال في 20 أغسطس انسحابها من مشروع غاز بارس الجنوبي الذي تقدر قيمته بمليارات بعدما فشلت في الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية على طهران، كذلك شركة دايلمر الألمانية لصناعة السيارات قد أعلنت من قبل تجميد خططها في إيران، كما أنهت شركة استشارات تابعة لشركة تي سيستمز الألمانية للاتصالات نشاطها في إيران.

في ذات الاتجاه أوقفت الخطوط الجوية البريطانية بريتش إيرويز والخطوط الفرنسية إير فرانس رحلاتهما المتوجهة إلى إيران في سبتمبر بسبب أن الرحلات إلى طهران لم يعد مجزيًا تجاريًا بعدما تسببت العقوبات الأمريكية على إيران في انخفاض كبير في العملة الإيرانية، ما جعل من الصعب على الإيرانيين السفر إلى الخارج، وهي خطوط تم تسييرها قبل عامين بعد انتهاء العقوبات الأمريكية على إيران بعد انقطاع دام أربع سنوات قبل أن ينسحب ترامب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وستعلق بقية الخطوط مثل الهولندية وغيرها ليس بسبب العقوبات الأمريكية على طهران فقط بل لأسباب تجارية أيضًا.
وأن المقبل سيكون أسوأ إذا لم يتم احتواء هذا الصراع، وفي 16 أغسطس انتشرت صورة لتظاهرة لطلاب حوزة قم في قم رفعت فيها لافتة تحذر “روحاني” من أنه سيلقى نفس مصير الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي عثر عليه ميتًا في بركة سباحة عام 2017

ثورة النفط الصخري في أمريكا عززت الدور السعودي – الروسي لمواجهات تحديات السوق؛ خصوصًا وأن السعودية وروسيا لهما قدرة كبيرة على تعويض أي انكماش ويعوض أي أزمات الحالية في فنزويلا والانقطاعات المتكررة في بحر الشمال وليبيا ونيجيريا وأنجولا، وذكر تقرير وورلد أوريل الدولي أن الولايات المتحدة تخطط لإطلاق 11 مليون برميل يوميًا من مخزونها النفطي الاستراتيجي للطوارئ البالغ 660 مليون برميل من 1 أكتوبر إلى نوفمبر 2108 وهو موعد تطبيق كامل العقوبات على القطاع النفطي في طهران، ويسمح الكونغرس ببيع 240 مليون برميل يوميًا فقط بين 2017 و 2027، وذلك دعمًا للسوق قبل وقف جميع واردات النفط الإيراني في 4 نوفمبر 2018 وفي نفس الوقت لخفض عجز الميزانية.

ارتفعت صادرات النفط الخام إلى الولايات المتحدة بنسبة 36 في المائة إلى مليون برميل يوميًا مقارنة بشهر يونيو 2018، ويمثل أكبر تدفق نفطي إلى الولايات المتحدة منذ أبريل 2017، فيما كانت 1.3 مليون برميل يوميا في مارس 2017 انخفضت إلى 530 ألف برميل خلال شهر فبراير تماشيًا مع التزامات السعودية بخفض صادرتها النفطية ضمن اتفاق أوبك والدول المنتجة من خارج أوبك بقيادة السعودية وروسيا.

تأتي جهود السعودية استجابة لمطالب المستهلكين وتلبية لدعوة الرئيس الأمريكي ترامب إلى زيادة الإنتاج وتهدئة الأسعار بعد ادعاءات بان أوبك مسؤولة عن ارتفاع أسعار النفط الخام في الفترة الماضية، وتأتي هذه الزيادة للولايات المتحدة عن البراميل التي فقدت بسبب الانهيار الاقتصادي في فنزويلا التي كانت تعد مصدرًا رئيسيًا في تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة.
اعتبرت أوبك أن صناعة النفط اجتازت فترات مظلمة وعادت الثقة إلى السوق، وكل الأنظار تتجه إلى اجتماع الجزائر للجنة مراقبة خفض الإنتاج في الجزائر الذي سيواصل تقييم تطورات السوق ودراسة تفاعلات العرض والطلب في ضوء عدد من المستجدات خاصة مع العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران، وتصاعد الحرب التجارية الأمريكية الصينية وكلاهما له تأثير واسع في سوق النفط الخام.

نجحت منظمة أوبك في الفترة الماضية في تحقيق التعاون بين دول أوبك والدول المنتجة من خارج أوبك والذي يركز على دعم مبادئ التعاون المشترك والعدالة بين مختلف المنتجين في أوبك وخارجها من أجل تحقيق هدف استقرار السوق والتحول والانتقال في مجال الطاقة.

بدأ هذا التعاون تقييم وضع الطلب في أكبر ثلاث دول مستهلكة في العالم وهي الولايات المتحدة والصين والهند التي تمثل نحو 70 – 80 في المائة من الطلب العالمي، وهناك حالة من القلق حتى عام 2023 بسبب مخاطر الهبوط على الطلب الأمريكي متوسط الأجل على وجه الخصوص بعد عام 2018، بينما الهند مسؤولة عن ثلث النمو في الطلب على النفط الخام حتى عام 2040 لكونها ثاني أكبر عدد السكان في العالم وهي ثالث أكبر اقتصاد وثالث أكبر استهلاك للطاقة، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي خمسة أضعاف قبل 2040 ويمثل ربع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

يأتي اجتماع لجنة مراقبة خفض الإنتاج في الجزائر عقب تحقيق نجاحات ملموسة منذ تدشين التعاون بين المنتجين في أوبك وخارجها بقيادة السعودية وروسيا في ديسمبر 2016 وهو اجتماع سيكمل سلسلة اجتماعات في جدة وسان بطرسبورغ ومسقط وفيينا الذي دشنت شراكة طويلة المدى تتجاوز توازن السوق إلى دعم الاستثمارات المشتركة والتنسيق في خطة تحول الطاقة، ما يعني أن أوبك ستظل تلعب الدور القيادي المهم في السوق.

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button