قبل سنوات وتحديدًا عندما جاءت إلينا شبكة الإنترنت بدأت تطفو على السطح قضية الأسماء المستعارة والأقنعة الواهمة، فتجد كثيرًا من الناس يتخفون خلف تلك التقنية، ويثيرون كثيرًا من القضايا ويلبسون ثيابًا غير ثيابهم، ويعيشون على ذلك سنوات عديدة؛ معتقدين أنهم وفقوا إلى الصواب، ونالوا درجة التفوق في ذلك.
وأصبحنا نسمع كثيرًا من القصص المثيرة للغرابة، فتجد أن طفلًا استطاع وفق شخصيته المستعارة أن يستدرج امرأة بعمر أمه، أو تجد بنتًا بعمر العشر سنوات استطاعت أن تستدرج رجلاً بعمر أبيها، وهكذا دواليك.
فتجد كثيرًا من هؤلاء المستعارين يضعون أسماء رنانة، وصورًا جذابة، ويقومون بآلية النسخ واللصق بنقل الموضوعات من دون ذكر حتى أسماء أصحابها.
وتجدهم يجيدون التعليق والحوار وفق جموح انتصارهم في قضية النسخ واللصق؛ صانعين بذلك مجدًا زائفًا لهم.
والمشكلة الكبرى عندما ترى أحدهم معاينة عندها ستكون الفضيحة الكبرى، وستظهر الحقيقة المؤلمة التي ستشعرك مباشرة وبدون مقدمات بالصدمة؛ فهل هذا الذي كنت تراه كل صباح ومساء متألقًا في عالمه الافتراضي ضائعًا في حقيقته الواقعية؟
والسؤال الذي يدور بخلدي دائمًا لماذا يفكرون هكذا؟ ولماذا يتسابقون ليكونوا ضياءً في عالم الوهم وظلامًا وتقهقرًا في عالم الحقيقة التي بلا شك لا مناص منها، وكما يقول المثل الشعبي:(الكذب حبله قصير) فستظهر يا هذا على حقيقتك طال الزمن أم قصر؟!
وأنا بدوري أعتقد أن مثل هذه التصرفات تنبع من شخص فشل في مجتمعه ولم يحقق شيئًا، أو أنه لم يجد من أهله سوى التحطيم، فبدأ يبحث عن ذاته، وحينها سيكون المصير اسمًا مستعارًا وصورة جذابة يندس بها خلف تلك الشاشات الصغيرة ويبدأ بصناعة مجتمعه الخاص. .. وحينها يبدأ بتحقيق ذاته، وكأنه يبني بيتًا من ورق، متوهمًا بذلك نجاحًا، وأنى له ذلك، وإن اعتقد أنه انتصر، فتلك حتمًا حياة واهية، لا تليق بمعنى الإنسانية، وحقيقة الحياة.
ومن أدمن ذلك الوهم سيصاب حتمًا بانفصام في الشخصية، وبالتالي سيضيع بين اتجاهين أحدهما كذبة كبرى والآخر حقيقة واهية وما بينهما ستضيع تلك الذات في ظلمات الوهم وغيابة الكذب.
والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من النفاق ونهى عن الكذب، ووضّح منهج المسلم في حياته، ونهاه عن ظلم نفسه وغيره، وأمره بالاندماج السليم في مجتمعه، وهيأ له سبل المشاركة في تنمية ذاته، وتطوير بيئته، وهذا لا يتأتى إلا بالحضور الجميل في المجتمع، والمشاركة الراقية في نهضة الأمة بمجتمعات سليمة من أوبئة النفاق، وسوداوية الكذب وزيف الوهم.
حكمة المقال:
“إذا كنت تظن بأنك ستنجح في إيذاء المجتمع، وقول ما تشاء تحت اسم مستعار، فهذا وهم فإذا أخطأت سيتم الوصول إليك في أسرع وقت فلم يعد هنالك شيء يخفى”.