المقالات

دور الفرد في تحقيق النهضة

يقاس تقدم المجتمعات بتقدم أفرادها فكل فرد هو لبنة في بناء مجتمعه، وبقدر تمكنه من مهاراته العقلية وأدواته المعرفية تتحدد ملامح شخصيته ويكون أثرها في ذاك المجتمع قوة أو ضعفًا، عمقًا أو ضحالة، فإمّا صرحًا متينًا يترسخ ويتجذر مع توالي ظهور هذا النوع من الأفراد فيه، أو بناء هشّا ومخلخلاً تنكشف سوءاته عند أول هزّة أو هبة ريح، فلا يتوهم أحد أنّ الحكومات هي المسؤولة الوحيدة عن حالة التخلف والضعف الذي يعشعش في شعوبها، ولا عن التقدم والرفاهية التي تنعم بها، وإن كان يقع عليها تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في كلتا الحالتين، إلّا أن دور الفرد وسعيه الشخصي للتغيير هو حجر الأساس في نهضة المجتمعات وتقدم الأوطان.

في الحرب العالمية الثانية وفي ألمانيا تحديدًا توجه عدد كبير من الرجال إلى الخدمة العسكرية؛ مما تسبب في نقص اليد العاملة في المصانع، وأدى إلى إغلاق بعضها وعندئذ، -وكعادتها التي جُبلت عليها- هبّت المرأة لتسد النقص وتحل محل الرجال لكي تستمر عجلة الاقتصاد في الدوران، ولتجني قُوتَها وقوت عائلتها لكنّ ألمانيا خرجت من الحرب مهزومة ومنهارة اقتصاديًا، ولم يكن لها نصيب من تركة الدولة العثمانية (الرجل المريض) التي تقاسمها الحلفاء وبنوا عليه مجدهم الاقتصادي، ومع ذلك فألمانيا خلال سنوات وجيزة أصبحت قوة اقتصادية مُهابة، وحققت نهضة علمية وصناعية وتكنولوجية نافست دول الحلفاء مجتمعة، وكان السبب الرئيسي في حصول ذلك هو المواطن الألماني الذي تحمل مسؤوليته باقتدار وإصرار، فعملت المرأة في كافة الميادين الممكنة جنبا إلى جنب مع الرجل؛ لكي تزيد من حجم الإنتاج الوطني، وكانت النتيجة التي يراها العالم إلى اليوم ويراهن عليها ألا وهي الجودة في كل ما ينتجه الألمان، وهذا يبرهن على أنّ القرار بيد المواطن، فمبادرة من مجموعة من النساء بدأت بأعداد قليلة ثمّ ما لبثت أن تضاعفت؛ حتى أصبحت المصانع والحقول والمستشفيات تكتظ بالسيدات العاملات كلٌّ بما تتقن وتستطيع صيّرت المرأة الألمانية مضربًا للمثل في الوطنية وصناعة التأثير، فما يجنيه أي بلد من تقدم وقوة لا يكون إلا بمبادرات من أصحاب الهمم العالية أفرادا كانوا أو مؤسسات ليأتي بعد ذلك دور الحكومة في الدعم والمساندة واستثمار القوة البشرية، فإذا ما تقاعست أيّ حكومة عن دورها فلا مناص من الزوال وما أسرعه لأمثالها، أما المجتمع الذي بنى قوته من ذاته وبوعي أفراده فسيبقى قويًا قادرًا على تحمل أعباء النهضة إذا تهيأ له الخلف الصالح، فكيف بمجتمع أفراده أقوياء ويحكمهم نظام قوي وطموح؟

إنّ بلادنا اليوم تحظى بثُلّة من شبابنا وبناتنا الّذين سطروا أسماءهم بمداد من نور في المحافل الدولية، واحتلت صورهم أغلفة أشهر المجلات المتخصصة وغير المتخصصة، وخطّوا بمنجزاتهم عناوين الصحف العالمية، ووثّقت أعمالهم في أهم الدوريات العلمية، وتسابقت المراكز البحثية في العالم على تقديم التسهيلات لهم كي يعملوا فيها، وهو مؤشر إيجابي وقوي على أنّنا مقبلون على حقبة زمنية مختلفة وقوية، ولكنّ ذلك ليس كافيًا إن لم يهبّ كلّ فرد قادر على العطاء والإنتاج؛ ليقوم بدوره وهو يحمل بين جنبيه يقينا أنّ السّيل الذي يزيح الصخور التي تعترض طريقه بدأ بقطرة.

إنك يا من تجلس مسترخيًا تنتظر عطف قريب أو فزعة بعيد لكي يحقق لك حلمك، لن تراوح مكانك إلّا إذا أعملت عقلك، وشمرت عن ساعديك، وآمنت بأنك أنت مسمار الرحى في النهضة التي تحلم بها لك ولأولادك وليس غيرك.

Related Articles

2 Comments

  1. المرأة التي تهز سرير طفلها بيدها اليمنى تهز العالم بيدها اليسرى

  2. مقال اكثر من رائع مانراه من شباب وشابات الوطن كفيل بان يحعلنا نفخر بهم مجالات متعددة ابدعوا فيها واثبتوا وجودهم فهنيئا لنا بهم وهنيئا لنا بموطن يحتضن مواهب وينميها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button