لا شك أن التعليم شأن وطني مجتمعي مهم ، وعنصر رئيسي من عناصر نهوض الأمم ، فهو ركيزة الأوطان، ومعيار ارتقاء الدول، التي تتنافس فيما بينها على تطوير منظوماتها التعليمية ، ولا شك في أن حكومتنا الرشيدة تولي التعليم اهتماماً بالغاً ، وتمنحه دعما كبيرا بكل ما أوتيت من قوة ، إيماناً منها أنه متى أصبح التعليم قوياً صحيحاً أنتج جيلاً مؤهلا بالعلم ومفعماً بالمعرفة وقادرا على العمل نحو ازدهار ورقي الوطن .
وهناك العديد من القضايا في التعليم تشغل المواطن منذ عدة سنوات ، على سبيل المثال ضعف صيانة المدارس وعدم جاهزيتها قبيل انطلاق العام الدراسي ، وقضية نقص المعلمين والمعلمات ، وزيادة عدد الطلاب بل وتكدسهم في بعض المدارس ، وموضوع عدم اكتمال الكتب المدرسية أو تطوير المناهج ، وموضوع المباني المستأجرة التي باتت تشكل خطرا على أبنائنا كونها غير مهيأة ، وموضوع النقل المدرسي المتعثر منذ سنوات ، إلى غير ذلك من عشرات الملفات والقضايا التي أشبعتها أقلام الكتاب نقدا وأفردت لها الجرائد صفحاتها .
ولكن ثمة موضوع في اعتقادي هو العنصر الأهم في المنظومة التعليمية العصرية وهو عماد التعليم ، ألا وهو المعلم ، فإن كان التعليم هو الرافعة الحقيقية لبناء الأوطان، فإن المعلم هو الأداة العلمية القادرة على إعلاء ذلك البناء ، ومحور نجاح العملية التعليمية ، فمتى نجح المعلم في وضع اللبنة العقلية العلمية الأولى بكفاءة استطاع التعليم تحقيق نقلاته النوعية لتطوير المنظومة التعليمية الناجحة .
ولما كان المعلم هو الركيزة الاساسية في هذه المنظومة ، فقد كان لزاما إيلاءه الجانب الأكبر من العناية والاهتمام والتأهيل ، والعمل على تهيأة وتوفير كل ما يمكنه من القيام بدوره ، وتوفير بيئات الاستقرار اللازمة والمُناخ المناسب ، وتحفيزه مادياً ومعنوياً ، بل ويجب الاهتمام به منذ لحظة تأهيله تعليمياً وتربوياً في معاهد أوجامعات مخصصة لبناء ذلك الفرد الذي يجب أن يكون مثالا يحتذى علميا وتربويا وأخلاقيا لعظم المسؤلية التي يقوم بأدائها ، ثم إعداد المناهج المناسبة في تلك المعاهد والكليات المعنية بتخريج المعلمين ، فمتى صلح المعلم صلحت المنظومة التعليمية بأكملها .
ما دفعني للحديث عن ذلك وجود العديد من المعلمين والمعلمات في المدارس الحكومية ، لا يقومون بواجباتهم على الوجه المطلوب رغم تمتعهم بكامل حقوقهم ومزاياهم ، وعندما أقول المدارس الحكومية فإني أعني ما أقول ، لأن في المدارس الأهلية هناك عقاب مشدد على المعلمين والمعلمات المتقاعسين ، على خلاف معلمي المدارس الحكومية ، ولعل ما يؤكد ذلك ، الوضع السيئ الذي وجدت عليه العديد من المدارس الحكومية عند بدء العام الدراسي ، كانعدام التكيف وسوء المرافق وغير ذلك ، وعدم اهتمام المعلمين والمعلمات بتهيأة الوضع رغم مباشرتهم للعمل قبل بدء العام الدراسي بأسبوع على الأقل ، فكان المفترض أن يتم التأكد من صلاحية كافة المرافق والخدمات وإبلاغ الادارات المختصة لإجراء أعمال الصيانة وتهيأة المدارس قبل حضور الطلاب .
وفي المقابل فإن هناك معاناة كبيرة يواجهها معلمي ومعلمات المدارس الأهلية ، بدءاً من تدني أجورهم ، اضافة الى طول ساعات الدوام التي يقضونها وزيادة الحصص وزيادة الأعباء والمهام ، مقارنة بزملائهم في المدارس الحكومية ، حيث قد لا تصل رواتب معلمي المدارس الاهلية في معظم الأحيان الى ثلث ما يتقاضاه نظرائهم في المدارس الحكومية ، مع تحملهم أعباء ومهام قد تبلغ أضعاف ما يتحمله معلمي المدارس الحكومية ، وقد أجبرت المدارس الأهلية معلميها على قبول الرواتب المتدنية وإيقافها خلال الاجازة الصيفية ، بحجة عدم القدرة على صرف الرواتب مقابل ضعف الموارد المالية للمدرسة ، رغم التوجيهات الصادرة من الجهات المسؤولة بضرورة صرف رواتب المعلمين والمعلمات السعوديين كاملةً ، ورغم الدعم من صندوق الموارد البشرية ، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، وخالفت بعض المدارس الأهلية كل التعليمات في ظل غياب الرقابة والعقاب .
وخلاصة القول أن المعلمون هم ورثة الأنبياء ، والركيزة الاساسية في تنشأة الاجيال الصالحة ، ويناط بهم الدور المحوري في تطوير المنظومة التعليمية وصياغة مستقبل أبنائنا وبناتنا ، فيجب أن يكونوا على قدر هذه المسؤلية العظيمة ، ويتحتم على الجهات المسؤلة الأهتمام بتأهيل الكوادر التربوية والتعليمية كافة وعلى أعلى المستويات ، والمساواة بين كوادر القطاعين الحكومي والخاص ؛ فجميعهم يتحملون المسؤلية نفسها ، ويجب تقديرهم وإجلالهم ومنحهم افضل المميزات والصلاحيات التي تتناسب مع رسالتهم النبيلة وبهدف بث روح التنافس، وبلورة الفكر التربوي القادر على الإسهام في تخريج أجيال قوية في عقولها ومفاهيمها وقادرة على قيادة دفة التنمية في الوطن .
ليت هذا المقال يلامس آذان المسؤولين في التعليم . ومما يؤسف له ان التصريحات التي يطلقها مسؤولي التعليم عن الاستعدات والتجهيزات لاستقبال العام الدراسي الجديد تفتقر للمصداقية ( كتب ناقصة ومقاعد الدراسة متسخة الصيانة مفقودة تكدس الطلاب في الفصول بسبب ضم المدارس وامور اخرى . الزام المدارس بحصة النشاط والامكانيات مفقودة .