في ظل هذه الذكرى ال88 لتأسيس المملكة العربية السعودية لم تخرج كدولة صامدة من ثورات الربيع العربي التي ضربت المنطقة العربية عام 2011، بل دافعت عن الأمن الإقليمي والعربي، فأرسلت جيشها إلى البحرين لحمايته من الاستهداف الإيراني بحجة تطبيق الديموقراطية في البحرين التي وجدت تعاطفًا دوليًا، لكن وقفت السعودية بالمرصاد لهذا الاستهداف للبحرين للدفاع عن الأمن الخليجي.
كما دعمت هي وبقية دول الخليج الثورة التي امتدت إلى سلطنة عمان والأردن، لكن ما يكتب للسعودية في سجلها التاريخي تمكنها من إنقاذ أكبر بلد عربي من الاستهداف الإخواني المدعوم دوليًا وإقليميًا والرافع لشعار الدين بعد انقلاب المجتمع المصري عليه، ولم تتوقف السعودية عند هذا الحد، بل واصلت مستقبل حماية أمن مصر والمنطقة، فقامت بحصار مركز الإخوان في قطر بعدما رفضت قطر التخلي عن دعم الإخوان المسلمين الذين يهددون أكبر دولة عربية.
ثم أقدمت السعودية على اتخاذ أجرأ قرار عربي بعد عام حرب 1973 عندما قررت القيام بعاصفة الحزم لمواجهة وكلاء إيران في اليمن التي انقلبت على الشرعية، ورفضت المرجعيات الثلاثة.
لم تكتفِ السعودية في الوقوف أمام هذه التحديات ومواجهتها، بل اتجهت نحو الداخل لتعزيز صمودها من خلال تقوية البنية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، فأقدمت على صياغة رؤية جريئة 2030 قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي ربطها بمجموعة مبادرات لتنفيذ هذه الرؤية حتى لا تبقى كسابقاتها من خطط التنمية الخمسية التي تصدر كل خمس سنوات خلال العقود الخمسة السابقة.
وتم دعم هذه الرؤية بمحاربة أكبر عائق؛ لتحقيق هذه الرؤية وهو مواجهة الفساد من الأعلى قبل أن تحارب الدولة الفساد من الأسفل الذي يشمل القضاء على التستر التجاري الذي أعاق توطين الوظائف للمواطنين خلال العقود الماضية، وإعادة هيكلة قطاعات عديدة التي كانت أيضًا هي بحاجة إلى اتخاذ قرارًا جريئًا، وهو وقف تيار التشدد الذي هيمن على المجتمع والاقتصاد الوطني، وأعاق تمكين المرأة من العمل، بجانب إعاقة نمو قطاعات متعددة، مثل قطاع السياحة الذي ساهم في هجرة السعوديين في فترات الإجازات إلى خارج السعودية، وإنفاق أموال طائلة خارج الوطن كان الوطن بحاجة إليها وفي نفس الوقت جذب السياحة العالمية التي هي أحد أهم القطاعات التي تتنافس عليها دول العالم خصوصًا وأن السعودية تمتلك أماكن سياحية تاريخية بسبب أنها مركز ديني وممر للأنبياء والرسل.
توحيد البلاد على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- يعد تجربة فريدة بالنسبة للمجتمع الدولي وأحد نماذجه الناجحة في تاريخ الأمم، لذلك لابد من إبراز هذا النموذج وهذا النهج الفريد الناجح للناشئة، وكذلك إيضاح وإبراز النهج الذي تبنته الدولة في سياساتها الداخلية القائمة على مبادئ الدين الإسلام الحنيف، والنهج الذي اتبعته في علاقاتها الدولية المستمد من تراثها واحترام حقوق الإنسان.
اليوم الوطني فرصة ثمينة أن نغرسه في نفوس الناشئة من معاني الوفاء لأولئك الأبطال الذين صنعوا هذا المجد، والوفاء للقادة التي تقود هذه البلاد، وعلى رأسهم الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حتى يشعر هذا النشء بالفخر والعزة لما تقوم به هذه القيادة، والتي تبذل من أجل وطنهم الغالي والنفيس في الحفاظ على أمن هذا الوطن.
ومن مملكة السلام التي تعد أحد أبرز ركائز أمن وسلام واستقرار المنطقة والعالم، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي رعت السعودية اتفاقية سلام بين أثيوبيا وإرتيريا وجيبوتي بإشراك المجتمع الدولي في هذه المصالحات التي أتت بعد عقود من الصراع، وبعد فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى سلام في منطقة القرن الإفريقي، لكن حكمة الملك سلمان استطاعت رعاية هذه المصالحة بمباركة دولية.
وفي 19 سبتمبر 2018 قدم إلى المملكة رئيس وزراء باكستان عمران خان في أول زيارة خارجية له بعد وصوله إلى منصبه الحالي في يوليو، مما يفسر مكانة المملكة العربية والإسلامية والدولية التي تعد بمثابة قبلة العالم.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة