المقالات

المملكة و معركة الوجود !

تدخل المملكة هذه الأيام في معركة وجود ضد الأبواق الناعقة التي تريد زعزعة أمنها و إبطال مشروعها النهضوي الطموح بمناورات إعلامية ظاهرها الدفاع عن قضية خاشقجي و باطنها الضغط عليها دوليّا و ابتزازها خارجيا لتقع تحت شروط الإملاءات الدولية .

هذا ما يبدو لكل قارىء أو راصد للمشهد في قضية خاشقجي خصوصا حين تكون زاوية الرؤية من خلال ما تبثّه قناة الجزيرة من أخبار و تقارير كلّها تصبّ في أمنياتها تجاه هذه البلاد حكومة و شعبا، فمذ انفصلت قطر عن التحالف، بل قبل ذلك، و هذه القناة مشرعة الأبواق و الأبواب في كل ما يخص الملف السعودي بغية إثارة الفتن و إحداث الفوضى كردة فعل على أزمة قطر، و هو ما يجعل كلّ ما تطرحه قناة الجزيرة مما يتعلّق بقضية خاشقجي محل شك كبير باعتبارها طرحا متحيّزا ضد كل ما هو سعودي .

لابد من التأكيد على حقيقة لا يمكن إنكارها فيما يخص قناة الجزيرة هي أنّها منذ أزمة قطر تحوّلت من قناة إخبارية إلى قناة ثورية ضد خصومها و أولهم المملكة العربية السعودية التي شرطت خروجها من قطر كشرط من شروط الصلح، و لهذا لا يستغرب على هذه القناة أن تخوض ضد المملكة معركة وجود و مصير و هي اليوم تشنّ إحدى غاراتها، لكن المستغرب هنا أن يستهين بعض المخدوعين بالشعارات من السعوديين بهذه المعركة و يظنها لا تعنيه في الوقت الذي تؤكد فيه هذه القناة أنّها قناةٌ محاربة ليست أقل من أي عدوّ مدجج بالسلاح يريد اقتحام البيوت و تشريد الأهالي و إحداث الفوضى في البلاد، و فيما إذا تحقق هذا الأمر فسيدرك الجميع أن الأمر كان أخطر من مجرد تقارير إخبارية حول قضية غامضة لم تحسم رسميا بعد، لكن هذا الإدراك سيكون متأخرا يعضّ عليه الحمقى أصابع الندم .

تبعا لذلك من المهم أن يدرك كل مواطن منتمٍ لهذه البلاد أن ما يحدث اليوم من هجمات متتابعة سواء من قناة الجزيرة أو قطر أو تركيا أو حتى أمريكا و إعلامها المنحاز ضد المملكة قبل نتائج التحقيقات إنما يحدث لوضع هذه البلاد في مأزق تاريخي وجودي يتعلّق بالمصير، فليس الأمر مجرّد خلاف سياسي على السطح أو حتى قضية اختطاف أو قتل رغم خطورة هذه القضية على المستوى الديني و الإنساني و الدولي.
و عندما يتعلّق الأمر بالمصير، و بالوجود، يصبح أي حديث خارج هذا السياق ذهابا به إلى هامش آخر، هامش قد يراد به أن نصمت و نكون في موضع المتفرّج الذي يستمع إلى الأخبار حتى تقع الفأس في الرأس بعد تأليب الرأي الدولي ضدنا في قضية لم تحسم إلا بالأمنيات و التخرّصات مع أنّ التحقيقات لا تزال جارية!

نعم، يؤسفنا ما حدث للصحفي الإعلامي الأستاذ جمال خاشقجي و لم نكن نتمنّى له إلا حياة كريمة، و لا أظن أحدا يؤمن بحق المسلم على المسلم كان يتمنّى له ضررا يصيبه في نفسه فضلا عن القتل و الاغتيال، لكن السؤال لا يزال معلّقا: من دبّر هذه الحادثة؟ من المستفيد منها؟ من تعنيه مآلاتها أكثر من غيره؟

بمتابعة لقناة الجزيرة حول تغطيتها الحدث يسعني أن أقول في طمأنينة تامة و من خلال التدفّق الإخباري و الضخّ و التجييش إن هذه القناة أكثر الفرحين المستبشرين بما حدث، و هذا ما يفسّر استباقها نتائج التحقيق و استنادها إلى كلّ شاردة و واردة و محاولة السير بالقضية إلى حيث تريد هي، لا إلى حيث تتجه الأحداث بالضرورة، و إلا فأبسط مبادىء المهنية الإعلامية تقضي بأن تعالج القضيّة من جهات شتى و أطراف مختلفة و طرح كل الاحتمالات التي يمكن أن تفسّر اختفاء خاشقجي أو قتله، و من ضمنها أن تكون لأمريكا أو لتركيا أو لقطر يد فيها بشكل أو بآخر، فليست السعودية المعنيّة وحدها بهذا الحدث، هذا إن كانت الحقيقة تعنيهم من كل وجوهها و احتمالاتها، و عندئذ يمكننا أن نتحدّث عن إعلام حرّ نزيه يستحق الاحترام.

أمَا و الأمر مجرد أمنيات و مبارزات إعلامية و تصفية حسابات فمن حق الشعب السعودي أن يقول كلمته و أن يخرس كلّ من يحاول النيل من مقدّراته و مكتسباته و أن يصطفّ إلى جوار قيادته بميثاق البيعة التي في عنقه، و هذا ما أكبرناه من قبلُ في الشعب التركي الذي دافع عن بلده و عن قيادته التي اختارها بموجب ميثاق الانتخابات في موقفه ضد الانقلاب، و هو تمام الوعي الذي لا أظنه يغيب عن كلّ سعودي يطمح في حياة كريمة خارج الفوضى و عدم الاستقرار؛ و ما هذا التشغيب على المملكة في كل قضية من قضاياها المصيرية في علاقاتها الدولية إلا بحث عن مدخل إلى الفوضى و إثارة الفتن التي تعيشها بعض الدول المجاورة في تجربة مريرة أهلكت الحرث و النسل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى