لم يشهد العالم قضية تثير جدلًا واسعًا مثلما شهدته قضية اختفاء الخاشقجي، ليس دفاعًا عن خاشقجي، بل استخدمته غطاءً وتوظيفًا سياسيًا لم يشهد التاريخ مثل هذا الاستخدام وهذا التوظيف، خصوصًا وأن السعودية قامت بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي بأن حاربت على جبهات عديدة لاستعادة المنطقة من الاختطاف من دول كبرى ودول إقليمية٬ ومن تيارات وجماعات ومليشيات محلية لا حصر لها لتنفيذ أجندات لا تصب في مصلحة الأوطان.
يتساءل البعض لماذا كل هذا الاستهداف للسعودية؟ وهل تصريح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الذي صرح عندما قال: (أخشى أن أموت قبل أن أحقق أحلام الشعب السعودي)، فهل أصبحت هذه الشخصية مستهدفة خوفًا من نهضة سعودية مقبلة خصوصًا وأنها تعمل على أكثر من جبهة داخليًا وخارجيًا، وكيف نجحت في تسويق رؤيتها الإصلاحية محليًا وعالميًا وبعدما اقتنع العالم بها تقاطر نحوها، وكيف لعبت السعودية في إنقاذ أسواق النفط وفي استعادة قوة نشاطها الاقتصادي الذي انهار بعد انخفاض أسعار النفط لأن أي تحول يحتاج إلى فترة زمنية لتحقيق الرؤية التي وضعتها، بعدما انهارت أسعار النفط إلى 27 دولارًا للبرميل منتصف عام 2014، وكيف أنها وصلت إلى 85 دولارًا، ورفضت الاستجابة لمطالب ترامب بخفض أسعار النفط بحجة تعويض النقص في الأسواق العالمية نتيجة العقوبات الأمريكية على إيران بوقف صادرات النفط الإيرانية فقط من أجل رفع مخزوناتها من النفط الرخيص من أجل استخدامه ورقة في خفض أسعار النفط٬ كلما ارتفعت وضرب اقتصادات دول٬ واعتباره أحد عقوباتها لتلك الدول وفي نفس الوقت تحقيق أهداف ذاتية لصالح شركاتها البترولية العالمية، مثلما حدث في منتصف عام 2014.
هناك أدوات جاهزة في المنطقة اتبعت من أجل استهداف السعودية وفق تسلسل زمني في السلوك الدبلوماسي، واستبقت مسارين مهمين وهما المسار التحقيقي والمسار القضائي، ولم يستهدف الإعلام القطري المتحالف مع أذرع الإخوان في تركيا السبق الصحفي أو الإعلامي٬ بل كان الهدف إنقاذ نفسه، وفي نفس الوقت النيل من السعودية الدولة الكبرى خصوصًا وأن قطر تتابع التقارب المحتمل بين السعودية وتركيا، عندما دانت السعودية العمل الإرهابي الذي استهدف ناقلة جنود أتراك في ولاية باطرمان شرقي تركيا، ووجدت تركيا ضالتها بسبب أن تركيا تحتاج للدور السعودي، وهي متورطة في إدلب، ومتورطة بشكل كبير في سوريا، وتريد تحقيق المنطقة الآمنة، وتخشى أن تكون هناك عراقيل، هذا من جانب، لكن الأكثر أهمية أن الاقتصاد التركي يعاني انهيارًا نتيجة انهيار الليرة التركية، وهو بحاجة إلى استثمارات وتعاون تركي سعودي خليجي لاستعادة قوة الاقتصاد التركي واستقراره.
اعتمد الإعلام القطري ثلاثة مسارات في استهداف السعودية، اعتمدت قطر في الأول على أسلوب الاستنتاجات المفبركة غير القائمة على الحقائق، واتبعت في المسار الثاني على تشويه الحقيقة ما يعرف بالمزاعم، واتبعت في المسار الثالث معلومات مكثفة وبزخم واحد.
لكن فوجئ الإعلام القطري أن أردوغان صرح بأن تركيا لن تعتمد على فرضيات، واعتبرت جهات تركية أن هناك تورط قوی إقليمية ودولية كطرف ثالث، وقبلت تركيا بإرسال السعودية فريق تحقيق سعودي يشارك الأتراك في فك شفرة اختفاء خاشقجي، تظل عنتريات أردوغان عاقلة، وليست مجنونة كما يعتقد الإعلام القطري الذي يحفظ مصالح بلده ولن يحفظ مصالح الإخوان على حساب مصالح تركيا كما تعتقد قطر ويعتقد الإخوان.
شارك الإعلام القطري وكالة الأناضول وخصوصًا صحيفة صباح التركية الإخوانية، لكن كان هدف تركيا التغطية على الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون وعودته إلى الولايات المتحدة والذي استقبله ترامب استقبال الأبطال، وشكر ترامب أردوغان، متوقعًا علاقات ممتازة مع تركيا، رغم ذلك لم يحرج ترامب أردوغان، وغرد على تويتر أنه ليس هناك من صفقة مع تركيا، ورد أردوغان على تويتر، قائلًا: السيد الرئيس دونالد ترامب تماشيًا مع ما قلته على الدوام لقد اتخذ القرار القضائي التركي باستقلالية، رغم ذلك انتقدت المعارضة التركية التنازل المهين في قضية القس برانسون، استثمرت تركيا قضية اختفاء خاشقجي كغطاء سياسي للإفراج عن القس الأمريكي في ظل انشغال الرأي التركي بقضية اختفاء خاشقجي.
لم تعد إسطنبول آمنة كما يعتقد البعض، وسبق أن قتل الكويتي محمد الشلاش، والمعارض الإيراني كريمان، والسعودي مفرح عسيري، وغيرهم، ولم يتوصل التحقيق التركي أو لم يعلن عن نتائج تحقيقاته.
ليس هذا فحسب، بل نجد أن خبراء التكنولوجيا فضحت فبركة الإعلام التركي المتحالف مع الإعلام القطري الإخواني حول مزاعم وقع تسريبات بشأن التوصل إلى تسجيلات على ساعة أبل الخاصة بجمال خاشقجي المختفي، والتي تشير إلى أنه تعرض للتعذيب والقتل، باعتبار أن الساعة تسجل وترسل على جوال خاشقجي الموجود لدى خطيبته في الخارج.
عندما أكد خبراء في مجال التكنولوجيا أن من المستبعد بشدة أن تكون الساعة قد سجلت ما حدث داخل القنصلية، وحملت البيانات على حساب تابع لخدمة الحوسبة السحابية في أبل ( آي كلاود )، وأضافوا أن معظم أنواع ساعات أبل تتطلب أن تكون الساعة على بعد يتراوح بين 9 و15 مترًا، كما تتطلب إما اتصالًا بشبكة إنترنت لاسلكي قريبة أو شكلًا من أشكال الاتصال عبر الهاتف المحمول غير متوفر في تركيا.
كما نفى مختص في شركة أبل نسف كل السيناريوهات جملة وتفصيلا التي ذكرتها صحيفة صباح التركية أثناء لقاء تلفزيوني لهذا المختص مع شبكة سي إن إن الأميركية وضحد هذه المزاعم، مؤكدًا عدم امتلاك ساعة أبل لخاصية تسجيل وإرسال المقاطع الصوتية، إضافة إلى عدم امتلاكها خاصية الفتح عن طريق البصمة كما ادعت صحيفة صباح التركية.
وبذلك تم نفي فيضان الأكاذيب التي تتعرض له السعودية، وبشكل خاص الموجهة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للحد من إصلاحاته الداخلية والخارجية التي تشدد على وقف التشدد الديني الذي أعاق تقدم السعودية داخليًا، ووقف تيارات الإسلام السياسي التي أثرت على المنطقة بشكل عام، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تتخذ من قطر منصة وتمويلًًا، ومن تركيا قوة مساندة لبقائهم أطول فترة ممكنة.
رغم أنه قرار اتخذ من السعودية ومن أكبر دولة في المنطقة وهي مصر، خصوصًا بعدما فشل الإعلام القطري عبر أذرعه وعبر خلاياه النائمة من التشكيك في رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والنيل من إنجازاته، ومحاولة إسنادها إلى غيره وإلى من سبقه، وإنكار كل ما يقوم به، لكنهم وجدوا شعبًا سعوديًا وخليجيًا واعيًا تصدى لهم، فيما قطر تنهار وينهار حلفائها، فلم يعد لها إلا الأكاذيب المضللة التي تتكشف ويرتد أثرها نحو قطر ونحو تلك الجماعات، ويستمر مشروع الأمير محمد بن سلمان الذي يعتمد على الإنسان السعودي كمحور تنموي رئيسي في تحقيق هذه النهضة.
ما حدث تجاه السعودية نقطة سوداء في الإعلام الصحفي العالمي، وأصبحت أياديها ملطخة بتلك الأكاذيب المضللة، خصوصًا وأن وكالات وصحف دولية شاركت في تلك النقطة السوداء بينما رصيدها ورأسمالها المصداقية التي أضرت بها.
نجدها تسارع إلى سحب الخبر وتستبدله بخبر آخر، وستتذكر هذه الوكالات وهذه الصحف العالمية قناة الجزيرة ارتباطها بتلك النقطة السوداء التي أضرت بسمعتها وفقدت الثقة بها، وهذه الأزمة ستكون نهاية قناة الجزيرة.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة