يُعَد نيل معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى لجائزة الاعتدال مفخرة لكل معلم ومعلمة، بل ولكل مواطن سعودي؛ لأن التعليم لَبِنَة من لَبِنَات بناء الإنسان، وأسس من أساسيات تنمية المكان وكما قيل:-
العلم يبني بيوتًا لا عماد لها
والجهل يهدم بيت العز والشرف
فكيف إذا اشتملت المناهج التعليمية على ما يحث على الاعتدال ؟! ذلك المنهج النبوي الذي سلكه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحث عليه وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
ولا ريب أن يكون منسوبو قطاع التعليم أول من ينالون هذه الجائزة العظيمة، ويتزامن ذلك مع الاحتفاء باليوم العالمي للمعلم، فهم كما أسلفنا ركن من أركان المجتمع المدني، وتقع عليهم مسؤولية جسيمة في تربية النشء، وتكريس مفهوم الاعتدال في كل حركاته وسكناته.
والمأمول منهم هو الاستمرار على هذا النهج القويم، والبعد عن كل ما من شأنه تكريس مفهوم الكراهية للآخر، لأن الآخر جزء من هذا المجتمع، ولابد من مناقشة رأيه بالحِكْمة، وأخذ ما يتناسب مع التوجه العام للدولة وللمجتمع بعيدًا عن الإقصاء والتهميش.
كذلك يجب البعد كل البعد عن التطرف بكلا اتجاهيه فكلاهما مذموم، ومدعاة لإثارة الفتن وإيقاظ الخصوم، وفرصة لبث الفُرْقة والسموم.
أخيرًا:-
الاعتدال مطلب، وتحقيقه مكسب، والاستمرار عليه غاية يجب أن نحافظ عليها حينما تتحقق.
اعتقد ان الاعتدال هدفنا جميعاً ، و هدف جميع وزارتنا ، و لكنني مع هذا لا اعتقد ان يتحقق الاعتدال و التسامح بتنقيح مناهجنا وحدها دون سواها و نحن لدينا على سبيل المثال :
1. طالب فى الجامعة يري خارج الصرح التعليمي كل يوم انواع الظلم و الفساد و الفوضى التربوية و الاخلاقية فكيف نؤمل ان يجنح هو و امثاله الي الاعتدال ، و الاجواء من حولهم لا تدعو الي الاعتدال .
2. طالب فى الثانوية من ابناء العسكر كيف يجنح الي الاعتدال ان كان يرى اسرته تعيش على الكفاف او تحت خط الفقر ، و بلا سكن ، و والده بعد التقاعد لا يأخذ حقوقه من مرجعه الا بـ ( المحاكم ) و ( طلوع الروح ) .
3. طالب فى اسرة لديها ابناء عاطلون عن العمل ، كيف يجنح الي الاعتدال و التسامح ، و بقية اخوانه العاطلون عن العمل ساخطون على وزارة العمل ، و وزير العمل ، و على من وضع نظام العمل .
4. طالب مبتعث بعد عودته من الابتعاث لم يجد له مكاناً غير الشوارع و الارصفة و فى يده شهادة عليا كل الشباب يحلم بها كيف يجنح الي التسامح و الاعتدال ، و ليس له فى نهاية المطاف غير عربة ( الفود ترك ) ، و ( بسطة الشاهي على الفحم ) ، و ( كاشيرات ) الاسواق و البقالات.
الامثلة كثيرة ، و لكن حتى لا اطيل عليك يكفي من القلادة ما احاط بالعنق ، و من السوار ما احاط بالمعصم ، و عملك السابق فى السلك الامني يكفي لمعرفة بقية جميع الامثلة التى لا يسع المكان لسردها .
اذن يا سيدي المسألة اكبر من جوائز تحصل عليها وزارة التعليم التى يبدو انها تخلت عن مسماها القديم ( وزارة التربية و التعليم ) تحت ضغط الا توصف بالارهاب ان قام احد طلابها بعملية ارهابية فى اي مكان و تحمل مناهجها المسئولية كاملة ، و اكبر من تنقيح مناهجها للطلاب لتنشر ثقافة التسامح و الاعتدال ، فالمعلم المربي كان له دور كبير فيما مضى فى ابعادنا نحن كبار السن من السقوط فى براثن التطرف و الارهاب ، و مناهجنا فى ذلك الوقت لم تنقح كما نقحت اليوم فكيف الحال لو عاد المعلم لدوره التربوي بعد تنقيح مناهجنا و كان قدوة صالحة لطلابه فى التسامح و الاعتدال .
المناهج وحدها فى اعتقادي لا تصنع ثقافة التسامح و الاعتدال ، و خير شاهد تلك الاعداد الكبيرة من الغربيين المنتمين لهذه التنظيمات الارهابية رغم ان مناهجهم التعليمية لا يوجد فيها فقرة تتعلق بالتطرف و الدين و الارهاب .
على اي حال ، يجب ان تسير عملية تنقيح مناهجنا جنباً الى جنب مع برامج توطين الوظائف فى سوق العمل ، و توفير العدالة المجتمعية للجميع ، و القضاء على الظلم و الفساد و الفوضى الاخلاقية فى مهدها الى الابد ، و اعادة الدور التربوي لوزارة التعليم بشكل يفضي فى النهاية لنشر ثقافة التسامح و الاعتدال و الا سيظهر لنا تطرفاً جديداً من بين جلباب التغريب و اصوات رنين كؤوس ( الشيفاز ) .
تحياتى