المقالاتد. عبدالحفيظ محبوب

الإعلام الجاد المؤسسي قادر على مواجهة الإعلام المعتمد على مصادر مجهولة

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها السعودية لحملة إعلامية شرسة، ولاتهامات مجنونة، بل سبق تعرضت عام 2001 لهجمة شرسة في اتهام السعودية أنها تصدر الإرهاب للعالم خصوصًا حينما كان عدد المشاركين السعوديين الأكبر في أحداث سبتمبر 2001 بنحو 15 سعوديًا وإماراتيان ومصري ولبناني.

أناقش في مقالي جانبين مهمين هما أهمية الماكينة الإعلامية السعودية، وكيف تصل لمحتوى هذه الماكينة الإعلامية إلى جميع المستهدفين في أنحاء العالم، خصوصًا إذا قسمنا العالم إلى ثلاثة أقسام أصدقاء وأعداء وجزء رمادي ليس لديهم معرفة بالسعودية لكنهم الغالبية العظمى، لذلك لن تنفع الحملات الإعلامية التقليدية التي تركز على التهويل أو ردة الفعل، فيما تحتاج هذه الماكينة الإعلامية الجديدة إلى محتوى يركز على تقديم المنطق السعودي المعتدل المرتكز على المستوى الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي الذي تعيشه السعودية يتميز بمبادئ إسلامية سامية تتسم بالتسامح والاعتدال تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي شع نوره من مكة المكرمة.

هناك تنافس بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، رغم ذلك تلعب الفضائيات الإخبارية دورًا في صناعة الرأي العام وحتى في توجهاته السياسية، وهناك فرق بين محتوى الأخبار ودقتها، لكن هناك ظهرت معادلة جديدة حول استخدام شبكات التواصل الاجتماعي التي تسمى بالإعلام الجمهوري، يتصدرها الفيسبوك، ثم الواتس أب، يليه إنستغرام وأتى تويتر في مؤخرة أدوات شبكة التواصل الاجتماعي.

كثير من مرتادي هذه الشبكات يعطون أهمية كبيرة للثقة بالمؤسسات أو بالموقع الإلكتروني قبل قراءة المحتوى، وهذه الفئة لا تقرأ الصحف ولا تشاهد التلفاز بشكل كبير، ويعتمدون على السوشيال ميديا في الحصول على الأخبار، ويعد الموبايل لديهم المصدر الأساسي لحصولهم على مصادر المعلومات.
هذه الفئة وهي شريحة كبيرة جدًا تؤثر فيهم هذه المعلومات، وتتحول مشاعرهم إلى مواقف، وقد تتحول إلى أفعال في المشاركة بتلك الأخبار، أي أنهم يتحولون إلى مصادر لنقل الأخبار، مما يجعلهم يساهمون في سرعة نشر الخبر عبر التبادل وكأنهم موظفون لدى تلك الشبكات، لكن تم توظيفهم بشكل غير مباشر.

لم يتمكن الإعلام التقليدي حتى الآن التعامل مع تلك الفئة المهمة في المجتمع، بسبب أن الإعلام التقليدي لم يعد يجدي كما كان في السابق إخفاء الحقائق مجديًا، لأنهم سيحصلون عليها من مصادر أخرى ولكنها مشوهة ومفبركة ذات أجندات تستهدف البلد الذي يعيشون فيه، أهم تلك الأجندات تركز أولًا في تعزيز ولاء تلك الفئة لتلك الجهات الخارجية على حساب الولاء للوطن والمجتمع.

بسبب أن الإعلام التقليدي لم يتمكن من تحقيق التوازن المطلوب بين دقة الأخبار وسرعة بثها قبل تلقيها من الأطراف الخارجية المشبوهة، وكذلك لم يستوعب الإعلام التقليدي أن الإعلام التقني الجديد صاحبه تغير في المزاج العام، وساهم في تغيير سلوكيات الفرد وحتى الجماعة، بل ساهم في التأثير حتى على أنماط التفكير.
خصوصًا وأن الإعلام التقليدي لم يتفهم طبيعة التكوين النفسي للجيل الجديد، والتي تغلب عليه روح التمرد، وقدرته في البحث عن البدائل، ومن الخطير أن تكون هذه البدائل الخطر الداهم.

وبذلك يكون الإعلام التقليدي نتيجة عدم استيعابه طبيعة الجيل الجديد واستيعاب سرعة التقنيات الجديدة، وتوفرها بين أيديهم، مهما حاولت الجهات الرقابية منعهم من الاطلاع على جوانب خطرة لكنهم يمتلكون القدرة على البحث عن البدائل، ما يعني أن الإعلام التقليدي فشل في بث الوعي لدى الجيل الجديد حتى يمكنه من اكتشاف الأكاذيب ويمتلك القدرة على الفحص والتمييز.
فيما يركز الإعلام العالمي على المصادر المجهلة والتي هي صراع بين الحق والفبركة، لأن الإعلام العالمي يعتبرها المفتاح الوحيد لكشف العديد من الأزمات، ومن أهم الأمثلة على اعتماد الإعلام العالمي على مصادر مجهلة فضيحة ووتر غيت التي استقال بسببها الرئيس الأمريكي ريتشاد نيكسون، وقد نشرت هذه التحقيقات صحيفة واشنطن بوست، لأن الإعلام يعتبر أن من واجبه كشف أمور تتعلق بأمن وسلامة الوطن، وتعتبره جزءًا أساسيًا من وظيفتها في خدمة المجتمع.

خصوصًا وأن القانون في أمريكا وأوروبا يعطي حماية الصحفي في أن يستخدم مصادر مجهلة، وتحتفظ المؤسسات الإعلامية بسرية هذه المصادر لضمان استمرار الثقة بين الصحيفة ومصادرها، لكن من عيوب اعتماد المؤسسات الإعلامية على المصادر المجهلة يقلل تصديق أخبارها، خصوصًا في مثل أزمة اختفاء الخاشقجي التي كثير من الصحف العالمية ووكالات الأنباء سحبت بث أخبارها المعتمدة على مصادر مجهلة، لأنها اكتشفت أن الأخبار مفبركة.
هناك سيل من المعلومات الغامضة والمتناقضة، خصوصًا حينما تعتبر خديجة خطيبة خاشقجي المحتملة لغز، وهي التي تسرب تلك المعلومات دون أن تخضع لأي تحقيق، لأن من عيوب الإعلام المعتمد على مصادر مجهلة التي قد تكون لها دوافع سياسية، مثل قناة الجزيرة والعديد من القنوات الأخرى التي وجدت فرصتها في الإجهاز على الاقتصاد السعودي الناشئ الطموح، خصوصًا وأن السعودية ستعقد المنتدى الاقتصادي دافوس في الصحراء الذي سيعقد في 23-25 أكتوبر 2018 لجذب 2500 شركة ورجل أعمال من 60 دولة، والذي سيمثل بمثابة ضخ أموال واستثمارات لدعم الإصلاحات، في حين أن العالم يتنافس على جذب كعكة الاستثمارات العالمية.

وفي نفس الوقت نلاحظ أن ترامب يحاول ابتزاز السعودية بوسائل عدة، فمثل قضية اختفاء خاشقجي تمثل فرصة لتلك الدول الكبرى من حرمان السعودية من ضخ استثمارات والتي ستخشى العقوبات التي تهدد فرضها على السعودية، وليس هذا فقط بل أيضًا هدفهم المشروع السعودي الجديد برمته، وهدفهم القيادة التي هندست هذا المشروع والتي وضعت استراتيجية قريبة المدى، ومتوسطة وبعيدة المدى.

كذلك ساهم الإعلام الرقمي المتعدد والمتنوع في بث تلك الفبركات والإشاعات المضللة والتي ساهمت في زيادة نسبة الأخبار الكاذبة، لذلك يفرض على الإعلام السعودي الجاد والملتزم بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يرفض الاعتماد على مصادر مجهلة، فيما يركز على نشر الأخبار الموثوقة وتقليص الاعتماد على المصادر المجهلة حتى لا تصبح ردة فعل وتضيع الحقيقة القادرة على ضحد مثل تلك الأخبار المفبركة والمضللة التي اعتمدت على مصادر مجهلة والتي من عيوبها أن تجعل من نفس الصحفي مصدر مجهل من أجل خدمة أجندات خاصة لجهات معادية للدولة المستهدفة.

يمتلك الإعلام الجاد قدرة مهنية إعلامية قوية قادر على أن يعري الإعلام الذي يعتمد على المصادر المجهلة، بل قادر على هزيمته، ونزع الثقة منه، وهو بمثابة تهديد عروش وسائل إعلامية عريقة، وسقوط مهني وأخلاقي، بعدما كسبت ثقة واسعة لهذه الوسيلة الإعلامية التي تتلقى إعلانات كثيفة مقابل مبالغ عالية جدا، بسبب اكتساح تلك الوسيلة للساحة العالمية، لأن تلك الوسائل الإعلامية لم تعد تستهدف شعوب المناطق المحلية والإقليمية، بل تستهدف الشعوب العالمية وتبث بلغات الشعوب.

لذلك نجد صحيفة نيويورك تايمز التي أصدرت تعليمات تطلب من المحررين على الموافقة من الإدارة على استخدام مصدر مجهل في أي قضية إعلامية.
نجد أمريكا مثلًا ليس فقط من أجل تحييد الخصوم، بل للضغط على حكوماتهم تتجه إلى شعبي إيران وكوريا الشمالية عبر قنوات ومنصات جديدة، وهناك خمس شبكات إعلامية تعزز الأجندة الأميركية الخارجية، ووضعت الولايات المتحدة ميزانية تقدر ب800 مليون دولار ويعمل بها نحو 4 آلاف موظف.

فعلى السعودية أن تقتدي بالخطوة الأمريكية ليس فقط لتحييد الخصوم، بل من أجل تقديم المنطق السعودي المعتدل المرتكز على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والترويج لمشاريعها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، حتى نشر القيم السياسية التي تختلف عن القيم السياسية العالمية، والتي تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف باعتبارها قبلة المسلمين وقبلة التسامح والاعتدال.

وليس فقط لتحييد الخصوم، بل ليصل صوتها إلى شريحة واسعة من العالم وهي الشريحة الرمادية التي لا تعرف شيئًا عن السعودية بدلًا من تركهم لهذا الإعلام الذي يعتمد على المصادر المجهلة لتشويه سمعة السعودية والنيل من مقدراتها ومكانتها، وكذلك تعزيز ثقة الأصدقاء بها حتى لا يخطفها الإعلام الذي يعتمد على مصادر مجهلة، وعليها أن تدعم مراكز أبحاث عالمية يشارك فيها سعوديون متخصصون في شرح القيم السعودية وشرح مفاهيم السعودية الجديدة، وعليها ألا تترك مناطق فراغ يملؤها الإعلام المعتمد على المصادر المجهلة مثل قناة الجزيرة وغيرها.

ليس فقط المصادر المجهلة التي هيجت الإعلام وبثت الأخبار المفبركة والمضللة، بل أيضًا كان الغموض والتناقض الذي اكتنف قضية اختفاء جمال خاشقجي، وأكيد تركيا تمتلك معلومات كافية لكنها كانت تفرج كل يوم عن معلومة من أجل تحقيق أهداف سياسية منها خروج القس الأمريكي والإفراج عنه فيما الشعب التركي منشغلًا بقضية اختفاء خاشقجي، وفي نفس الوقت ضغط تركي على السعودية للاستفادة من عودة العلاقات بشكل أقوى بين تركيا والسعودية لدعم اقتصادها المنهار وفي نفس الوقت الحصول على دعم سعودي في سوريا وهو مطلب سعودي، لكنها هي أيضًا تطلب من تركيا وقف دعمها لعناصر من قيادة الإخوان التي تتخذ من أنقرة منصة للنيل من الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية.

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button