لا يختلف إثنان في أن التكافل الإجتماعي في مفهومه المعاصر، قيام فرد أو بعض أفراد من المجتمع على رعاية مصالح أفراد آخرين، نحو هدف واحد منشود لرفع الضرر أو المفسدة عن أفراد في المجتمع المحيط بنا، أو رعاية ذي الحاجة من الأصحاء أو المرضى، وفي ذلك ما يصون النفس البشرية من السؤال أو التسول لدى العامة، أعطوه أو لم يعطوه، وبمعنى آخر أكرموه أو أذلوه، وهنا يظهر الدور الكبير للتكافل المجتمعي لذوي الحاجة بكل فئاتهم الصحية أو المرضية، المادية والمعنوية، بهدف الإرتقاء بالمجتمع والشعور بالأمان والطمأنينة لكل أفراده، دون تمييز للغة أو لون، صعوداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ولنا في الصورة المثالية لتكافل المهاجرين والأنصار والمواخاة بينهم، أروع الصور في تكافل المجتمع المسلم ومشاركتة لحياة إقتصادية وصحية كريمة، وفي زمننا المعاصر قد يشترك في المسؤولية الإجتماعية، أصحاب القرار والجاه والمال في مزيج تكافلي مجتمعي، لصناعة العديد من المبادرات الهادفة للإرتقاء بالمجتمع نحو الحياة الكريمة.
وبالعودة لعنوان مقالتي، فإن مرضى الغسيل الكلوي جديرون بالعناية، نظراً لما أوضحه مركز الملك سلمان بن عبدالعزيز للكلى، في نشرته للعام ٢٠١٧، إن «أمراض الكلى أصبحت تمثل ظاهرة عالمية مثيرة للقلق، وأن الإحصاءات تشير إلى أن معدل الإصابة بأمراض الكلى المزمنة على مستوى العالم تجاوز ٦٠٠مليون نسمة، أي ما يقارب ١٤.٢ ٪ في المئة من عدد السكان، في حين تقارب العدد المحلي ١٥ ألف مصاب بمرض الفشل الكلوي، يخضع أكثر من ثلثيهم إلى الغسيل الكلوي في برامج وزارة الصحة، عبر جداول إنتظار تحتاج إلى مزيد إهتمام، في ظل تنامي طالبي الخدمة الصحية، وأكد المركز أن «المملكة لم تكن بمنأى عن هذا النوع من الأمراض، الذي قد يسبب على المدى الطويل قصوراً أو فشلاً في وظائف الكلى»، وذلك وفقاً للأرقام الموثقة من واقع سجلات مراكز ووحدات الغسيل الكلوي في المملكة، ونظراً الى ازدياد حالات الفشل الكلوي في المملكة، مقارنة بالأعوام الماضية، وفق «إحصاءات المركز السعودي لزراعة الأعضاء»، حيث بلغ عدد المصابين بهذا المرض حوالى ١١ ألف مريض، ما استوجب زيادة أعداد مراكز غسيل الكلى في المملكة، إلى ١٩٠ مركزاً تضم ٤٧٠٠ جهاز للغسيل الكلوي، ويوجد حالياً حوالى ثمانية آلاف مريض يعالجون من الفشل الكلوي عن طريق الغسيل، وكشف المركز أن من بين ١٠٠ إلى ١٤٠ لكل مليون نسمة بينهم أطفال وكبار سن، يعانون من أمراض الكلى سنوياً، وبما أن معظم الدراسات تؤكد أن السبب الرئيس للفشل الكلوي هو ارتفاع ضغط الدم والسكر، وهذا ما يكاد يتنامى في مجتمعنا للمسببات المعاصرة، وفي حقيقة الأمر أن ما دفعني للكتابة في هذا الشأن الصحي مزاحماً ذوي الإختصاص، أن كنت برفقة رجالات من تجارة وصناعة مكة وقيادات ووجهاء وإعلاميين، في زيارة لمركز الخياط الخيري لغسيل الكلى بمكة المكرمة، والذي يشرف عليه سعادة رجل الأعمال الأستاذ/ باسم بن سليمان خياط، الذي رافقنا في جولة على أقسام المركز الذي يشتمل على قسم الأشعة والمختبر والباطنة والتغذية والخدمة الإجتماعية وغرف المرضى، الذين يخضعون لعملية الغسيل الكلوي، عبر ٤٨ جهاز تعمل بإستمرار، إضافة إلى عدد ٨ أجهزة و٨ سرير إحتياطي عند الطلب، ويخدم المركز ٢٠٠ مريض غسيل على ٣ مرات أسبوعياً، ويباشر حالاتهم ٢ أطباء وحوالي ٢٠ ممرض وممرضة، في ١٥ غرفة مجهزة بطريقة صحية فائقة العناية، جدير بالذكر أن المركز يخدم جميع مرضى الغسيل الكلوي من السعوديين والمقيمين والحجاج والمعتمرين بلا إستثناء، تصرف لهم الأدوية بالمجان طوال فترة علاجهم، ولعلَّ مِن أكبر صور السمو في التكافل المجتمعي، تلك المنشات الصحية المعنية بغسيل الكلى، والتي بدأت في الإنتشار في مجتمعنا السعودي المعاصر، في ظاهرة تنمي لسمو أخلاقنا الإسلامية، المتطابقة مع قوله عليه الصلاة والسلام:( خير الناس أنفعهم للناس)، وفي ذلك من وجهة نظري خطاب لأصحاب الجاه والمال، لتذكيرهم بهؤلاء المحتاجين للمساعدة الصحية أو المادية أوالمعنوية، للأخذ بأيديهم في أروع صور التكافل المجتمعي، وقد نما إلى علمي أن في مكة المكرمة ٣مراكز أهلية خيرية، تسهم مع وزارة الصحة في الغسيل الكلوي، وفي ظل تلك الأعداد المتنامية لمرضى الغسيل الكلوي وعبر صحيفة مكة الإلكترونية، أناشد أصحاب الجاه والمال بالمساهمة الفاعلة، في بناء العديد من المراكز الخيرية للغسيل الكلوي، بإعتبار أن في ذلك تكافل مجتمعي،
وختاماً استأذن عزيزي القارئ بأن أختتم ما سطرته ببرقية لمعالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة، متأملاً في زيارته للمركز رغم مشاغله، وفي وقوفه على تلك المراكز الصحية الخيرية، رسالة تشجيعية بل دعوة لمن أكرمهم الله تعالى، بالمزيد من المساهمات، صعوداً إلى قوله تعالى:(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).