المقالات

رحلة إلى المدينة المنورة (4)- الجواهر المكنونة

ما أجمل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

حيث يرقد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ حيث البقيع، وجبل أحد، مقبرة الشهداء، والكثير من المعالم التي تحكي التاريخ الإسلامي. والتي نتمتع بروحانية وطمأنينية عالية.

أجمل مافي هذه المعالم هي القصص المتوارية خلفها والمدفونة بين طياتها والمحلقة في سمائها، ناثرة روائح ماضي لازلن بحمد الله ومنته نعيش ثماره وننعم بها. قصص في كل منها عبرة وعضة وانبهار وتوق لرؤية أصحابها. وداخل كلٍ منا سؤال هل كانوا بشرًا حقًا؟ هل عاشوا على نفس الأرض التي نعيش نحن عليها ؟ هل داست أقدامهم نفس الرمال التي نقف عليها؟ وكيف تحملوا الشمس الحارقة؟ كيف تحملوا الأرض اليابسة؟ والكثير الكثير من الأسئلة. أسئلة إجابتها في كتب المدينة المنورة مسطورة بقلم سحري لا يظهر إلا لمن يبحث عنه. 

فالكتاب الأول مقبرة البقيع الذي يحكي الكثير من الحكاوى والقصص، فلكل قبر قصة ولكل صاحب قبر تاريخ ناصع .. فالبقيع ليس مجرد مقبرة وإنما كتاب أعظم من الشاهنامة وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة. فهو كتاب في أكثر من عشرة آلاف فصل وكل فصل، وإن كان حول شخصية واحدة، فهو حياة مليئة بالمغامرات والتضحيات والأحداث والشخصيات والإنجازات المغلفة بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. 

والكتاب الثاني مقبرة الشهداء التي فيها أبطال دافعوا عن الرسول، وماتوا خوفًا عليه. مقبرة الشهداء التي تروي ملحمة غزوة أحد وما شابها من خذلان ودفاع وحب لرسول الله. مقبرة تضم قبر سيد الشهداء حمزة عم رسول الله صلى  الله عليه وسلم الذي يشعرك بهيبته حتى وهو في قبره. وما أن تنظر إلى قبره رغم أنه لا يميزه شيء عن غيره من القبور إلا أن سيرته وشجاعته وقوته في الله٬ وحب رسوله تجعل من قبره علامة. وضمن هذا الكتاب جبلًا صامدًا يحكي قصة المعركة وأبطالها السبعون الذين يرقدون بجانبه وجبل الرماة يؤكد هذه الحكاوى.

الكتاب الثالث مسجد قباء٬ وهذا قصة أخرى فهو أول مسجد بني في الإسلام يحمل حجر أساسه بصمات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومحرابه ومآدنه العالية والمنبر الرخامي الرائع حكاية طويلة من الجمال والتميز.

الكتاب الرابع مسجد القبلتين الذي شهد أهم قرار في العالم الإسلامي ألا وهو تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في صلاة واحدة صليت بقبلتين. فسبحانك اللهم لا إله إلا أنت.

الكتاب الخامس وهو كتاب سحري قد لا نراه، ولكننا إن عرفنا التاريخ استشعرنا الكتاب وصفحاته التي خطت بدماء المسلمين وذكائهم وفطنتهم،

 إنه كتاب غزوة الخندق التي لا نرى لها معالم وإنما شارع معبد تم إنشائه بمقتضى التطور والتحسين في المدينة المنورة نمشي فوقه بسياراتنا؛ وكأن الأرض تنطق الخندق هنا.

الكتاب الخامس محطة الحجاز، والتي هي آخر محطات سكة قطار الحجاز القديمة التي كانت تربط دمشق بالمدينة المنورة مرورًا بالأردن، وصحاري، وجبال، تبوك، وجبال الحجاز، وقد كانت تمتد على طول 1320 كم وقد انشأها السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1900، وهي الآن تفتح كمتحف يعرض تاريخ المحطة وتاريخ المدينة المنورة. محطة الحجاز فيها من الجمال المعماري ما فاق التصور، فعند النظر إليها تشعر؛ وكأنك تنظر إلى منطقة منفصلة عن المدينة المنورة وذلك لنوعية البناء والحجارة المستخدمة. محطة الحجاز هي أيضًا كتاب فيه تاريخ حقبة زمنية كانت غنية بشكل ما يشهد على ذلك جدران المحطة والقطارات التي تحولت إلى رمزٍ فيها من الحكاوى الكثير. 

بالإضافة إلى كتب الغزوات التي لم يبقَ منها سوى التاريخ والمكان الذي تغير مع تغير الزمان غزوة بني قينقاع في السنة 2 هـ في المدينة المنورة، غزوة حمراء الأسد في السنة 3هـ في حمراء الأسد من ضواحي المدينة المنورة، غزوة بني النضير في السنة 4 هـ في ضواحي المدينة المنورة، و غزوة بني قريظة في السنة 5 هـ في ضواحي المدينة المنورة.

والموسوعة التي ضمت هذه الكتب هي المسجد النبوي الذي يضم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. والذي ملئ بنور على نور. حول المسجد النبوي وضع متاحف مصغرة تحكي القصة كمقدمة للموسوعة الرائعة قصة الكون وبدايته وكواكبه ومجراته، وقصة الرسول الكريم.

لابد أن نؤكد على موسوعات أخرى تنطق بها ذرات رمال المدينة المنورة ألا وهي فترة خلافة الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق، وأخرى لعمر بن الخطاب وموسوعة ثالثة لعثمان بن عفان..وهي موسوعات لسير تُحكى قد لا نجد لها أثرًا واضحًا على أرض الواقع ولكن ذرات الرمال ونسمات الهواء تحكيها.

في النهاية المدينة المنورة مليئة بالجواهر المكنونة التي تفسر سر الراحة التي نشعر بها ما أن ندخل أجواءها وسر الابتسامة التي تعلوا محيانا لحظة تنشق هوائها.. وسر شوقنا أليها ..

أنتهت الرحلة.

Related Articles

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button