طمأن وزير العمل الجديد أحمد بن سليمان الراجحي مجموعة من رجال الأعمال أنهم سرعان ما سيسمعون أخبارًا جيدة عن نظام العمل والعمال. وسرعان ما أضافت ماكينة الشائعات تفاصيلًا إضافية: لن تزيد رسوم العمال عن 400 ريال سعودي في الشهر حسب اللائحة المعمول بها في عام 2017. ولن يدفع المقيم رسومًا عن كل فرد من أفراد عائلته، تزيد كل عام، حتى 2020. ماعدا الأبناء الذكور فوق 18 حيث تنتقل كفالتهم إلى عمل جديد، أو يتحمل الوالد عنهم 400 ريال شهريًا، وفي كلتا الحالتين لا يشمل هذا الشرط الإناث.
تنفس مجتمع الأعمال وأصحاب العقارات والمدارس ومقدمو الخدمات الصعداء لسماع هذه الأنباء، ومثلهم ملايين المقيمين. ولكن لم تدم الفرحة، فبعد أيام أصدرت وزارة العمل بيانًا ينفي فيه كل ما سبق، ويطالب بالحصول على المعلومات الدقيقة من المصادر الرسمية فقط.
يتم إصدار اللوائح من وقت إلى آخر دون مبرر وتفسير، م يجعل من الصعب علينا ، في وسائل الإعلام، أن نشرحها. وأحد هذه الأنظمة كان نظام الإقامة لعام 2017 الذي يرفع الرسوم للمقيمين وعائلاتهم كل عام حتى عام 2020. إضافة إلى الفاتورة المجمعة على أصحاب الأعمال بهدف فرض توطين الوظائف.
ونتيجة لذلك قررت نسبة كبيرة من المقيمين إما الاستقالة ومغادرة البلاد، أو إرسال أسرهم إلى بلدانهم والبقاء عزابا. والشركات التي تعاني من انخفاض السيولة والقوة الشرائية في السوق، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية الأخرى لجأت إلى إعادة هيكلة عميقة وخفض القوى العاملة لديها – السعوديين وغير السعوديين. وأغلقت كثيرًا من المتاجر وخلت العديد من الأسواق والعمائر من مستأجريها، والمدارس والكليات الخاصة من أكثر طلابها.
دافع البعض بأن الخزينة العامة ستكسب مليارات الدولارات من الرسوم الجديدة سنويًا. وتوقعوا أن مغادرة ملايين الأسر سيخفف الضغط على بنيتنا التحتية وخدماتنا العامة، مثل الكهرباء والمياه والنقل. ويقلل استهلاك المنتجات المدعومة كالبنزين والكهرباء والقمح، ويولد فرص عمل للمواطنين ويحارب التستر التجاري.
وردًا على ذلك، يجادل منتقدو اللوائح الجديدة بأن الرسوم لن يتم تحصيلها إذا غادر المغتربون وأسرهم. وأن رسوم الخدمات العامة والغذاء والمنتجات والخدمات المدعومة زادت بعد رفع الدعم وتطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT)، ولم يعد هناك دعم نخشى ذهابه لغير مستحقيه.
أما توطين الوظائف، فهي تتحقق بالفعل من خلال قوانين “السعودة” الحالية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. أما فيما يتعلق بظاهرة التستر، فإن الإقامة الدائمة المقترحة (البطاقة الخضراء) للمستثمرين وكبار الموظفين ستقضي على المشكلة، وتولد مليارات الدولارات من الضرائب على أنشطتهم التجارية.
نسعى أيضًا إلى الحد من التحويلات المالية وإنعاش الأسواق العقارية والتجارية والترفيهية. كيف سيتحقق ذلك إذا خرج الملايين من المغتربين، تاركين لنا منازلًا ومدارسًا وأسواقًا نصف خالية؟ ونظرًا إلى محدودية الاستثمار او فرص التجارة والتملك المتاحة لهم لن يكون أمامهم إلا أن يرسلوا معظم دخلهم إلى الوطن. أضف إلى ذلك كله أن وجود العائلة كانت ستوفر للمغترب الاستقرار والأمن، وتحميه من مغريات الضلال.
كل ما سبق تمت مناقشته من قبل الاقتصاديين والمراقبين والكتاب، لكنني سأركز هنا على جانب هام – البعد الإنساني والاجتماعي. لقد عاشت الكير من الأسر العربية والمسلمة بيننا عقودًا. شاركونا حياتنا وقيمنا وتعلموا في مدارسنا وعملوا في مؤسساتنا وساهموا في تنمية أمتنا.
واليوم يضطر العديد منهم إلى المغادرة فجأة بعد عقود قضوها معنا إلى بلدانهم الأصلية. البعض، مثل الفلسطينيين والبورميين واليمنيين والتركستانيين والأفغان، ليس لديهم أوطان يمكنهم العودة إليها. لنتخيل المرارة التي يشعرون بها الآن وكيف يمكن أن تسمم الذكريات الطيبة والعلاقات الإنسانية والمشاعر الجميلة التي حفظوها لنا ولبلاد الحرمين، أرض الإسلام، مملكة الإنسانية، ملجأ المظلومين.
آمل أن تتم مراجعة هذه اللوائح وتحديثها وتطويرها على أساس الملاحظات والتطورات والتشاور مع مجلس الشورى والشركات والمختصين في كل المجالات ذات الصلة. وإنني على ثقة من أن ذلك سيتم بروح العمل الجماعي والشفافية التي اعتدنا عليها منذ إطلاق رؤية السعودية 2030.
لقد تم اختيار وزير العمل الجديد من مجتمع الأعمال. وهو في وضع متميز لفهم إيجابيات وسلبيات قوانين الإقامة. والأمل أن يقوم بمراجعتها من أجل الاستفادة بشكل أفضل من الاقتصاد السعودي، ودعم خلق الوظائف والدخل، والحفاظ على أفضل العلاقات الإنسانية مع ضيوفنا الكرام.
مقال مميز جداً يُشكر الكاتب عليه . لعلي أضيف أن رجال الأعمال يتمنون في التعديل الجديد ما يضمن لهم بقاء الموظفين السعوديين و التزامهم بمُدد عقودهم على الأقل لكون السعودية على أهميتها أصبحت كابوساً بسبب تسرب بعض الموظفين دون احترام لعقد أو تحمل لمسؤولية .