كان الربيع في قلبه ينبض بالمحبة والصفاء، وتلك تكون بعضًا من أمانيه التي كان يعيشها حقيقةً ماثلة للعيان، ولم يَدُرْ يومًا في خلده بأن أشباح الأشقياء سوف تطارده عن كثب بصيفها المقهور والرطب وبشتائها الذي يحمل بين طياته جمرة الاختناق، وتلك السنين الضائعة من أقدار عمره الربيعي المحترق…تُرى أي حزنٍ يشمله والأشواق بعد لم تطارد ظلالها…أي جمالٍ يُعانق الحياة وفؤاده يترنح مابين الحنين والتمني…أي زمالةٍ كان يعشيها ومعظم حلقاتها ماتت بلا أمل في روحه وجسده… أيحلم بأن بعضًا من تلك الزمالات هو من صنعها، وأسدى إليها معروفًا أصيلًا، ولكنها لم تُزهر أو تزدهر. وكيف لها ذلك إذا كانت تلك الأنفس الشقية تهوى الألم والجزع والخطيئة والضجر… كيف له أن يُضَمِد جرحه وشمس خريفه تتغنى بحصاةٍ من مطر… جاءه بعد حينٍ صوتٌ من أعماق السحر لا تتعب فالأيام والليالي أسطورة تمشي على الأرض وفوقها البشر وبينهما نحاسٌ وذهب فالنحاس ينمو داخل أحشاء الأشقياء وتراهم أحياءً وهم جثث، والذهب يسري مع رذاذ المطر الناعم على إحساس من تستطيع وبجدارة أن تسميهم بشرًا… ذهب تستطيع الأرض أن تسمع وميضه وأهازيج أزهاره تنساب بفتنةٍ في ظل نخيله هاهم البشر.. هاهم البشر.. خريف كان يعيشه بالرغم من ربيعية النفس الطاهرة الزكية، ربما سنابل الزمالة الهشة والمريضة هي من أذبلت الورد في بكائه وفي كلماته وفي ذاكرته.. زمالةً قد تُبهر الغرباء بفرح، ولكن للحظات عابرة وربما قد تمتد تلك اللحظات لتكون أشهرًا وسنينًا أو تأخذ من حياتك عمرًا مديدًا؛ لتعرف بعد ذلك ماوراء الخريف البعيد من خناجر صدئة نازفه بزئبقٍ أحمر، لا يعترف إلا بخاصرة الموتى وهم تحت الثرى وقد يتساءل ببراءة وهوعائدٌ من زوايا الفجر ولمَ ذلك؟ فتحاصره الإجابة بأنهم بقايا من شظايا دامية خطفها موجٌ شريدٌ غامضٌ أصفر يتباهى بالهزيمة … ياصديقي الإنسان لاتحزن ولا تيأس فالأوجه البالية سوف تبقى أبد الدهر ممزقةً قديمة شريانهم ماءٌ ملوث لا أمل فيه وجاحدٌ لجبينه، جذورهم زهيدة وبذورهم تحرقُها رياحٌ عاتيةٌ أليمة وتلكم هي ومضة عن رفاقٍ تحمَّلتُها عذابًا زمهريرًا، كانوا في بادئ الأمر كما كنتُ ربيعًا مُخضَرَّا، ولم أعِ بأنهم كانوا حولي جُرحًا حزينًا، وتلك هي الحياة، ولازال في قلبي بهجةٍ لكل أغنيةٍ جميلة.
0