قلت مازحًا لزملائي في كلية الصحافة بجامعة “أوريقن” الأمريكية بأنني سأهديهم بمناسبة التخرج برميل بترول لكل منهم، فلم يضحك إلا أستاذنا الإعلامي المخضرم، الذي سارع بالتنبيه بأنني أمزح، فالنفط في السعودية ملك الدولة، وليس الأفراد والشركات كما هو الحال في أمريكا.
واجهتني مواقف كهذه عندما كنت ألقي محاضرات في الثانويات الأمريكية، فالجهل ببلادنا وثقافتنا وديننا يتعدى المعقول. وأذكر أن مسئولًا عن القسم الدولي في صحيفة أمريكية اتصل بي ليستوضح أمرًا في الشأن الإيراني، وفوجئ عندما قلت له في سياق حديثي أن إيران ليست دولة عربية، وسألني بدهشة إذن ما تكون؟ قلت له فارسية، فعاد ليسأل أليس الفرس عربًا؟
كما وجدت جهلًا مماثلًا عند كثير من أعضاء الكونجرس ورجال الأعمال ومراكز المعلومات خلال زياراتي لهم وزيارتهم لنا في المملكة، وفي الغرفة التجارية بجدة التي كنت أرأس لجنة العلاقات الدولية بها.
في أوروبا الوضع أفضل، فكثير من هذه الدول مستعمرة، وقد حكمت ثم تحكمت في كثير من بلادننا. وبحكم المقاربة الجغرافية والاجتماعية فإن الخبرة والمعرفة الشعبية والنخبوية أفضل بكثير منها عند سكان القارة الأمريكية، الأشبه بجزيرة عظيمة معزولة عن العالم بالمحيطين الأعظم، الهادي والأطلسي. ومع ذلك فكثيرًا ما وجدت نفسي مضطرًا لتوضيح البديهيات عن ديننا وثقافتنا واقتصادنا وسياستنا للأوربيين أيضًا.
ولذا فقد كانت سعادتي عظيمة عندما شهدت خلال حضوري لمؤتمر العلاقات السعودية الأمريكية الذي نظمه نادي الطلبة السعوديين في ولاية أيوا، عام ٢٠٠٧م، حجم التفاعل والنجاح الذي حققه شبابنا هناك، بمبادرة مدعومة من الملحقية الثقافية، وملحقنا النشط الدكتور محمد العيسى، ومن خلال عشرات الأندية المماثلة في معظم الجامعات الأمريكية. كما سمعت عن نشاط مماثل في بريطانيا وكندا وأستراليا يستحق منا الاهتمام والدعم والتوجيه.
قلت لوفد من إدارات حكومية أمريكية التقيت بهم في الملحقية الثقافية لمناقشة أحوال طلابنا هناك أن المملكة أرسلت لهم أكثر من مائة وخمسين ألف سفير هم طلابنا وأسرهم هناك، وهم أيضًا سفراء لأمريكا بما سيعودون به من معرفة واستيعاب للمجتمع الأمريكي وحضارته. والحاجة ملحة لأن نستفيد من هؤلاء في بناء الجسور بين بلدينا وشعبينا، وأن نزيل من خلالهم ظلمات الجهل الذي يقود إلى الخوف والكراهية.
إيران فعلت ذلك واستغلت جالياتها في أمريكا وكندا وأوروبا لتشكيل لوبي متشعب ومؤثر في كل مفاصلها، وأهمها التعليم والإعلام ومراكز البحوث. وهكذا فعلت إسرائيل، ولذلك، كما كشف لي سيناتور أمريكي، فإنه مضطر لمراجعة نفسه ألف مرة قبل أن يصوت مع قرار ضد بلد لها لوبي قوي، فيما يستسهل الأمر مع العرب، لأنه لن يسمع منهم حتى الشكر بحال كان القرار في صالحهم.
نحن نملك، أيها السادة، ثروة إنسانية ضخمة لم نحسن استغلالها بعد، ومن خلال برنامج للتدريب والتوجيه والدعم لطلابنا وأسرهم يمكن أن نحسن الصورة الذهنية لبلادنا في الخارج، وأن نخلق تعاطفًا شعبيًا معها، وفهمًا نخبويًا لها، ومعرفة بدورها ومكانتها القيادية في العالمين العربي والإسلامي، الذين تشكل بلدانهما ثلث العالم.
آمل أن يشكل فريقًا من الأجهزة المعنية في الخارجية، ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التعليم، ووزارة الشئون الإسلامية، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار لتنفيذ هذا البرنامج.