رؤية المملكة 2030 تؤكد على أن الاقتصاد الوطني لن يبقى أسيرًا لتذبذب أسعار النفط، لكنه يتخذ من النفط دعامة لهذه الرؤية وهذا التحول، وأوجدت السعودية هيئة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل نحو 99 في المائة من حجم المنشآت في معظم دول العالم، وهي المكان التي تتبلور من خلاله الأفكار الجديدة التي يتبناها الشباب وهم أساس المستقبل.
خصوصًا وأن رؤية المملكة تمكنت من حصر فرص استثمارية في 10 قطاعات أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتمثل في قطاع الطاقة والصناعة، وسلاسل الإمدادات، والخدمات اللوجيستية، والزراعة، والتعليم، والترفيه، والتجزئة، والنقل، والحج والعمرة.
لذلك صممت مبادرة استرداد من الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) بالتعاون مع وحدة المحتوى المحلي وتنمية القطاع الخاص؛ وذلك لتحفيز القطاع الخاص من خلال تسهيل بدء الأعمال التجارية، وتخفيف الأعباء المالية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة الجديدة والناشئة في السنوات الأولى من التأسيس؛ وذلك من خلال استرداد جميع الرسوم الحكومية المدفوعة بشكل ربع سنوي لتمكين نموها ورفع مساهمتها في الناتج المحلي من 20 في المائة إلى 35 في المائة تحقيقًا لأهم أهداف رؤية المملكة 2030 والتحول الاقتصادي.
ودعمًا لهذا التوجه أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بإنشاء هيئة باسم ( هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية ) في 27/12/2018 لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا وأن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل 95 في المائة من مجمل المنشآت، بينما لا تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي 20 في المائة، في ظل أنها تعد أهم محركات النمو الاقتصادي.
هناك برنامج كفالة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب الشركات الكبرى التي تدعم سلسلة الإمدادات النهائية للمنشآت في ذلك القطاع، فأرامكو وسابك تتوليان زيادة المحتوى الصناعي، فسابك أعلنت مبادرة توطين 75 في المائة من مشترياتها لتحفيز المحتوى المحلي، بل أعلنت عن تأسيس شركة سابك لدعم استثمارات المحتوى المحلي معنية بالاستثمار مع صغار المستثمرين والمتوسطين لدعم المحتوى المحلي.
ووقعت سابك 10 اتفاقيات لتجاوز عقبات قد تواجه المحتوى المحلي عبر مبادرة ( نساند ) بما يتيح المجال للشركات الوطنية لتصبح عالمية، وتستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من انتشار سابك في أكثر من 50 دولة قادرة على جذب استثمارات، واستقطاب خبرات عالمية، تسهم في رفع مستوى الصناعات المحلية، بما يجعلها قادرة على النمو والمنافسة عالميًا ورفع مستويات التصدير.
ولدى أرامكو 140 فرصة لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة بقيمة 16 مليار دولار في تسعة قطاعات صناعية، وتعتبرها أرامكو نسبة ضئيلة من البرنامج الرأسمالي الذي تنوي الشركة تنفيذه خلال الأعوام العشرة المقبلة بقيمة 400 مليار دولار، خصوصًا في مجال الطاقة والكيمائيات المتكاملة على مستوى العالم لتطوير منظومة إمداد وتطوير موثوقة ومبتكرة عالميًا، ويسهل الوصول إليها محليًا، وهو يتماشى مع برنامج ( اكتفاء ) الذي أطلقته أرامكو عام 2014 لتعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد وتوطين قطاع الطاقة تحقيقًا لمزيد من التنافسية والكفاءة.
لدى أرامكو قاعدة للموردين الأمريكيين التي أصبحت تضم أكثر من عشرة آلاف مورد، وهي تسعى لتطوير المحتوى الوطني من أجل الوصول إلى الاستدامة، يعززها المستوى المتميز من التكامل والمرونة في توطين منظومة الإمداد والتوريد بالشركة، وبحسب البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، فقد بلغ حجم صادرات القطاع غير النفطي خلال عام 2017 نحو 193.5 مليار ريال، وبنمو 8.9 في المائة، مقارنة بالعام 2016، حيث شكلت الصادرات غير النفطية نحو 23.3 في المائة من إجمالي الصادرات السعودية.
تسعى شركة أرامكو لتحفيز مشاركة الشركات الأميركية والمساهمة معها في رفع نسبة مشاركة المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى 35 في المائة في إجمالي الناتج المحلي من خلال مجلس الأعمال السعودي الأمريكي الذي توصل إلى تقسيم المشاريع الحكومية إلى حصص لتسهيل العطاءات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والنظر في تخصيص أهداف وحصص مشتريات من العقود الحكومية والخاصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
سيسهم وجود هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية من خلال القوة الشرائية، مما يمنحها رفع الجودة والحصول على أفضل الأسعار، في الوقت الذي ستسعى فيه لتحويل حصة كبيرة مما ينفق، الذي يقدر بما يقارب 15 – 20 في المائة من الناتج المحلي على المشتريات الحكومية داخل البلاد، ويأتي دور الهيئة في توحيد الإجراءات وتحقيق الشفافية بشكل يضمن المنافسة العادلة، وسيخلق بدوره منافسة عالية بين الموردين لتقديم خدمة أفضل بأسعار تنافسية، بما يحقق الكفاءة الأعلى من خلال زيادة التنوع والمرونة من أجل رفع الطلب على المحتوى المحلي، مما ينعكس على معدل النمو الاقتصادي للقطاع الصناعي، وتحقيق أهداف توطين الصناعة والتقنية وخلق فرص وظيفية.
سيساهم ذلك أيضًا في خفض فاتورة الواردات الصناعية، وتقليل تكاليف التشغيل المتعلقة بالمشتريات الحكومية مثل التخزين والنقل، مما يسهم في تقليل الهدر وتعزيز الكفاءة في الإنفاق، حيث تعتبر المشتريات الحكومية أحد المحركات الرئيسية في الاقتصاد الوطني التي أهملت في الفترة الماضية في تحفيز القطاع الخاص، والتي تسهم في توسيع القاعدة الإنتاجية التي توفر الوظائف، وتعتبر المشتريات الحكومية ليست فقط محركًا اقتصاديًا ومحفزًا للقطاع الخاص، بل هي أيضًا نوعًا من أنواع المشاركة بين القطاعين العام والخاص.
د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة