الجنادرية كتاب ثقافي وتراثي، مقروء ومسموع، ومرئي، كتاب يتجسد التاريخ بأصالته، والتراث بشممه، والجغرافيا برسوخها، والثقافة بتراثها، هكذا يجدها الزائر ساحة الجنادرية جمعت كافة مناطق المملكة لتقدم كل منطقة نفسها بنفسها من خلال المشاهد الحضارية والفلكلور الشعبي والتراث الثقافي والمباني التقليدية؛ لتشد أهداب عيون الزائرين وتتهادى خطواتهم متجولين ومستمتعين بكل الموجودات، فهناك الحداء الشمالي يشنف الأسماع أصوات حانية ندية، وتلك اللوحة المفعمة ببريق اللؤلؤ وشفيف موج البحر قادمة من الشرقية، وذلك الجنوبي رافع جنبيته كمن يتسنم جبل باسق؛ ليقدم رقصته بانتظام، والقادم من مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث الطهر والنقاء وذاك.. وذاك هكذا تتحول ساحة الجنادرية إلى قصيدة برحيق الورد وأغنية بشميم العرار، ولما كانت ذاكرة الماضي متوهجة بكافة أنماطها وصورها؛ فإن هناك مشاهد أخرى تعطى ملامح باذخة عن المنجز الحضاري الذي يشهده وطننا الغالي مصانع زاخرة بالعطاء وحقول مكتنزة بالحنطة ومبان شاهقة وحدائق غناء وللثقافة حضورها البارز من خلال تلك البرامج الثرية بحضور نخبة من المثقفين والأكاديميين العرب والأجانب، وكانت لحظات التكريم هي التي جسدت اهتمام قادتنا بالعلم والعلماء والأدب والأدباء، فاستحق المرشحون الأوسمة، واستحقوا التكريم من يدي قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأحسن المتحدثون عن المكرمين بإعطاء ملمحًا وجيزًا عن مسيرتهم المضيئة في ندوة كانت مميزة مفتاح لقبه الذي يعتز به عاش حياة قاسية من اليتم والفقر والعوز، قابلها بتحدٍ لذيذ وعمل نبيل مقدمًا أكواب الشاي لمرتادي المقهى الذي عمل به بأجر زهيد حاملًا على رأسه أرغفة الخبز متجولًا بين أزقة بنغازي، كل ذلك لم يقف طموحه ولم يحد من آماله، فأصبح فيما بعد الإداري القدوة والأديب الأريب؛ ليدير وبكل اقتدار أقدم الأندية الأدبية ( نادي جدة الأدبي)؛ ليصبح النادي علامة بارزة في سماء الإبداع أنشطة متنوعة، وثرية، ورش عمل فاعلة وأضحى ملتقى للأدب والمثقفين، أما عبارة مفتاح فتسجل بماء الذهب إذ يردد “العمل بالشأن الثقافي مغرم لا مغنم”، أشرف وأدار بمهنية عالية على دوريات ثقافية علامات في النقد والراوي في القصة، وعبقر في الشعر، وجذور في التراث، ونوافذ في الترجمة ليكتمل عقد الأدب والثقافة وليحقق رغبات كل الأطياف والأجمل في ذلك أنه أصبح مواطنًا منتميًا لوطننا الغالي، يدافع عنه، ويحاور، ويناقش بوعي، ويرد بلغة وسماحة الأديب ورقي المثقف وسمت العالم، واستحق وسام الملك عبدالعزيز ليستلمها من يدي الوالد القائد الملك سلمان حفظه الله، لتمتد مساحة التكريم للدكتور على الدفاع (ملك التكامل) المولود في عنيزة ليتخرج من إحدى مدارسها مواصلًا التعليم في تخصص الرياضيات البحتة والتطبيقية، وواصل عطاءه الفكري والعلمي ليقدم منتجًا زاد عن تسعة وأربعين مؤلفًا، ومئات المقالات باللغتين العربية والإنجليزية واحتفى الوسط الثقافي بمناسبة تكريم هذا العالم الفهيم، وتوجت هامته بوسام الملك عبدالعزيز وباستحقاق وجدارة، ليكون أيضًا للمرأة حضورها البهي في محافل العطاء والإنجاز؛ حيث سجلت الدكتورة سمر بنت جابر الحمود مجدها في مجال تخصصها ليتم اختيارها كأول امرأة عربية ضمن 15 خبيرًا عالميًا لورشة سرطان القولون والمستقيم، وهي الوحيدة أيضًا على مستوى الشرق الأوسط تولت رئاسة اللجنة العالمية لتحكيم الأبحاث العلمية في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، وحظيت بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى استلمتها بكل فخر من يدي خادم الحرمين الذي يولى العلم والعلماء اهتمامه من أجل نهوض وطننا في كل المجالات والمشارب؛ لتستمر البرامج والندوات عن المرأة في رؤية المملكة والعلاقات الإندونيسية الآفاق والتطلعات، وأخرى عن القدس مفتاح السلام للصراع العربي الإسرائيلي، وتجديد الخطاب الديني والهوية الوطنية في زمن التجاذب والتحولات الفكرية؛ فضلًا عن الأمسيات الشعرية في عدد من الأندية الأدبية هذا الحراك الثقافي والتراثي والجمالي، كان مشهدًا راقيًا على ساحة الجنادرية مما يجعلها أبرز نشاط يسجل حضوره السنوي المستمر والمتجدد.
ومضة
شكر وتقدير لكل مسؤول ساهم في تنظيم هذا المهرجان الذي يعد صورة مضيئة لوطننا الأبي، بل يعد مصدر فخر واعتزاز لكل السعوديين.