د. عبدالله العساف

الوعي الإعلامي أو الأمية الإعلامية

من نافلة القول الحديث عن الثورة الاتصالية بمعناها الواسع والتي أصبحت واقعًا معاشًا، وحقيقة ملموسة، لذا يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي: هل وسائل الاتصال بمعناها الواسع مسؤولة عن رسائلها؛ أم المسؤولية تقع على عاتق المتلقي؟!

وقبل الإجابة عن هذا التساؤل يرى بعض المختصين “بأن فكرة الوعي الإعلامي تتعارض مع جوهر العمل الإعلامي! إذ إن فكرة الإعلام اشتغالها الرئيس ومادتها الأولى تتمثل في استلاب الوعي أصلا، وبالتالي تحقيق الهيمنة والتوجيه.. ومن هنا فالحديث عن وعي إعلامي من هذه الزاوية هو في الحقيقة ملاذ طوباوي غير متحقق.. وإلا فإن ذلك يعني سقوط فكرة الإعلام بالكلية”..

ولكن الدول ومؤسساتها المختلفة لا تسلم بهذا التوجه الذي يفقدها ركنان رئيسان من ركائزها ألا وهما السيادة والأمن القومي؛ لذا فالغرب تنبه لهذين البعدين باكرًا عندما كان الراديو هو سيد المشهد الإعلامي، فكيف بنا ونحن نصارع أمواج الطوفان الهادرة التي تقذف منتجاتها ورسائلها الإعلامية من كل حدب وصوب، على مدار الدقيقة!! والتي تجمع الكثير من الدراسات على أن فيها منافع للناس، لكن إثمها أكبر من نفعها اقتصاديًا وصحيًا وأمنيًا وأخلاقيًا وغيرها، بسبب الأمية الإعلامية التي تتجاوز مفهوم القراءة والكتابة، والتعامل مع المستحدثات الاتصالية من خلال افتقارهم إلى القدرة على النقد والمقارنة والتحليل للمحتوى الإعلامي قبل استهلاكه، ومعرفة مصدره، معرفة حقيقية، وامتلاك المقدرة على قراءة ما بين السطور أو فهم ما لم يقل، وهذا ما يجب أن يتميز به كل من يتعامل مع وسائل الاتصال مرسلا كان أو مستقبلا؛ ولذا حرصت اليونسكو على إطلاق العديد من المبادرات التي تعنى بالوعي الإعلامي في ظل انعدام الموضوعية، وقلة الحياد والمصداقية لدى معظم الوسائل الإعلامية المملوكة لدول ومؤسسات معروفة، فكيف بوسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعلم من يقف خلفها!! ومن هنا يبدو أن “الوعي الإعلامي لم يعد خيارًا ولا ترفًا، بل ضرورة حياتية بمفهومها الواسع تساعدنا على معرفة أن كل صورة أو رسالة تصلنا عبر الوسائل الإعلامية المختلفة لا تقدم كما هي بل يعاد تشكيلها وبنائها وتهذيبها، بما يتفق وأجندة القائم بالاتصال فالإعلام يقدم العالم بعد تنقيته وإعادة تشكيله والعمل علی بنائه ليبدو حقيقيًا فالطريقة التي نستقبل بها الرسالة الإعلامية تحدد رؤيتنا للعالم من حولنا كما يقرر هذا والترليبرمان وغيره من المختصين بالاتصال، فلو نظرنا على سبيل المثال كيف تقدم الأخبار نجدها تختلف من وسيلة إلى أخرى فالأخبار والحقيقة ليسا الشيء نفسه، ولا بد من التمييز بينهما. فوظيفة الأخبار هي الإشارة إلى حادثة، ووظيفة الحقيقة هي إظهار الحقائق المخبوءة وربط الواحدة منها بالأخرى؛ لذا فالجمهور لا يحصل على صورة كاملة في غالب الأحيان عن المشهد السياسي مثلًا، بل يتلقى بدلًا عن ذلك سلسلة منتقاة للغاية من الأخبار وفقًا للفلسفة الإعلامية لكل وسيلة إعلامية، وما يقال عن صناعة الأخبار يقال عن المحتوى الذي نتلقاه دون وعي غالبًا عبر وسائل الاتصال المختلفة بما فيها رسائل الواتساب وتويتر وحتى الأفلام والمسلسلات والإعلانات التجارية لا تسلم من الأدلجة والتوجيه المباشر وغير المباشر.

ومن هنا أعود للتساؤل المطروح في بداية هذا المقال؛ حيث يمكن الإجابة عنه بالقول ربما تكون المسؤولية الأخلاقية والمهنية أكبر على القائم بالاتصال، ولكن هذا لا يعفي المتلقي من الانتقائية ومعرفة ماذا يستقبل، وماذا يُقصد، فكما يقال لا يمكن أن تفهم الأخبار حتى تفهم مالم يقل، فليس هناك اتصال بريء فكل اتصال نستقبله مشحونًا بالرسائل التي يجب علينا تمحيصها ولعل تقرير تدريس مهارات التفكير الناقد في المرحلة الثانوية مؤخرًا يساهم في التغلب على بعض الأمية الإعلامية التي يعاني منها الكثير؛ لذا نحن بحاجة إلى إجادة المهارة التفكيكية للرسالة الإعلامية بطريقة نقدية تساهم في خروجنا برؤية خاصة لماذا قبلنا هذه الرسالة، أو رفضناها،  فالمستحدثات الاتصالية حملت معها طريقة خاصة للتعامل معها، في ظل الكم الهائل من الرسائل التي تتدفق إلى هواتفنا في كل دقيقة، ولا نغفل طريقة استخدامنا أيضًا لهذه الوسائل في الرسائل والصور التي تعد كلمات تقرأ بأكثر من طريقه، وقد أحسنت وزارة التعليم بإدراجها مقرر التفكير الناقد ضمن مقررات المرحلة الثانوية، فإني أتمنى أن تكون التربية الإعلامية، أو الوعي الإعلامي من المتطلبات الجامعية في جامعاتنا لما لهذا المقرر من أهمية متعدية لا تخفى على كل من لديه نظر.
سوف تكون لي عودة لاستكمال هذا الموضوع بمشيئة الله.

Related Articles

2 Comments

  1. هل وسائل الاتصال بمعناها الواسع مسؤولة عن رسائلها؛ أم المسؤولية تقع على عاتق المتلقي؟!
    المسؤولية تكون مشتركة بين الطرفين
    توعية المجتمع وتدريس الطلاب مثل ماتفضلت من خلال مناهج وزارة التعليم وقامت الوزارة مشكورة بإدراج مقرر التفكير الناقد ضمن موقررات المرحلة الثانوية وهذ خطوة جيدة تحسب للوزارة
    نحن الأن في زمن الإنفجار المعلوماتي والإنفتاح السريع
    ولانستطيع السيطرة عليه غير بالمتابعة والتوعية والتعليم الجادة للمتلقي …

    شكراً

  2. كثيرا من الناس ينصحك يقول استغفر لا سبح قول لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم اكثر منها قل لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فيصبح مشتت اعوذ بالله من شتات الامر ان الاوان لوضع مذكره او دفتر فيها جميع انواع الذكر والدعاء وتوزيعها على الكل فيكون بذلك مرتب منظم ليس عشواء ونسخ منها نسخ كثير ه فيقراها جميعا صباحا او مساء او يختار اي وقت فيكون بذلك منظم ومرت فيحصل على ذكر الله جميعا فلا يغفل عن واحده لانها جمعها في مكان واحد فلا يفوت شي من باب التيسير والتسهيل ووعي اكثر لان كل شي منظم السموات والارض كل شي باتقان ثم الله يهدي فمن يقوم بهذا العمل وله اجر او اجور كثيره قد لا يحصيها ميزان بحيث انه جمع الكل كله ومنها ايضا عندما جمع القران في كتاب واحد كل شي مقسوم نجمعه مثلا الذكر نجمعه واي شي نقسمه ونجمعه مما يحتمل الجمع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button