يعتبر منصب رئيس القسم الأكاديمي من أهم المناصب القيادية بالجامعة، فهو النواة الحقيقية لنجاح العمل الجامعي بــــــمختلف جوانبه.
وتختلف رئاسة القسم الأكاديمي عن رئاسة أي قسم إداري أو فني في داخل الجامعة أو خارجها، فرئيس القسم هنا يعمل مع أعضاء هيئة تدريس كثيرًا ما يكونون أعلى منه في الخبرة البحثية والتدريسية والقيادية أيضًا. كل ذلك يحتم على الجامعات تعيين أساتذة مؤهلين لتولي منصب رئيس القسم لكي يسهموا في تهيئة المناخ المؤسسي الإيجابي، والذي بدوره يؤدي إلى جودة الأداء والمخرجات.
يعتقد الكثيرون – بمن فيهم الأستاذ الجامعي نفسه – أن الحاصل على الدكتوراه يجعله تلقائيًا مميزًا في أمورٍ كثيرة ومن ذلك قدرته على القيادة، وهذا غير صحيح. ولذا قمت بإرسال سؤالًا محددًا لزملائي أعضاء هيئة التدريس في العديد من الجامعات المحلية.
وكان محور السؤال عن أهم الأمور التي ينبغي أن يتحلى بها رئيس القسم الفعال، فجاءتني ردود واسعة، وقمت بدوري في فرز إجاباتهم وحذف المكرر منها. كما قمت بعرضها على ثلاثة محاور، هي: البدايات، الرؤية الاستراتيجية، أسلوب الإدارة.
طبعًا هناك بعض النقاط البديهية الأساسية، ومع ذلك فضلت أن أبقيها في هذه المقالة، لعلها تكون تذكيرًا للبعض.
آمل أن تكون المقالة نافعة لجميع أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وتمنياتي لهم بقراءة ممتعة.
البدايــــــــــات:
● حاول ألا تتعجل بقبول المنصب ولا تحاول أن تتخطى من هم أقدم وأكفأ منك واستحضر مقولة (أن من تصدر قبل أوانه، فقد تصدر لهوانه)، فالتصدر بلا أهلية أو كفاءة يقود صاحبه للإخفاق ويقود القسم للضعف الأكاديمي. وتذكّر أنك في الأساس أصبحت أستاذًا جامعيًا لشغفك بالبحث العلمي، وأن عقليتك البحثية في أوجها بعد مرحلة الدكتوراه ، فلا تطفئ جذوتها بقبول المنصب الإداري.
● عند قبولك للمنصب، استشعر الأمانة التي ألقيت على عاتقك، فأنت الآن مؤتمن على مصالح القسم ومنسوبيه من كادر أكاديمي وإداري وطلبة. وضع في اعتبارك قوله تعالى “إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ” وأنك محاسب أمام الله في تصرفاتك.
● تعد فترة البدايات – وتحديدًا الأشهر الثلاث الأول – فترة غاية في الأهمية، إذ يبنى عليها الكثير من الملاحظات والتفاعلات حول رئيس القسم المعين حديثًا، ويكفي أنها فترة تشكل الانطباعات الأولى التي لايختلف اثنان على أهميتها وقوة أثرها، ويتوقع أن يكون منحنى تعلمك (learning curve) متسارعًا خلال هذه الفترة تحديدًا.
● ابحث واستمع بإمعان لتجارب من هم أقدم وأكثر تجربة منك من داخل وخارج القسم، بل حتى من زملاء لك بجامعات أخرى.
● تعرف على تاريخ وديموغرافية القسم من خلال البيانات والتقارير وغيرها من منشورات القسم والكلية التي يتبع لها القسم.
● اجعل إلمامك بلوائح وأنظمة الجامعة أكثر عمقًا من أي وقت مضى، فأنت الآن في موضع قد ترد إليك استفسارات من الأساتذة والطلاب، و يتطلب الرد عليها الرجوع إلى اللوائح والأنظمة.
● تعرّف بشكل دقيق على الخدمات التي تقدمها الجهات المختلفة بالجامعة، وذلك من خلال الاطلاع على التقارير السنوية وأدلة الإجراءات المنشورة لهذه الجهات.
● ابدأ في قراءة معمقة عن فلسفة التعليم الجامعي واتجاهاته الحديثة، كما عليك بتطوير مهاراتك الإدارية والقيادية بشكل مستمر، وكذا الحال بالنسبة لمهارتك الناعمة (Soft Skills) في مجالات التواصل والتفاوض والإقناع……إلخ.
● لا تتعجل بإصدار قرارات حاسمة في هذه الفترة، بل حاول أن تفهم الوضع العام والأشخاص والإجراءات، وتذكر دائمًا أن فترة البدايات هي فترة تكَوُّن وليست فترة تمكن بعد.
● طور مهاراتك في استخدام الأنظمة الإلكترونية والمعلوماتية لتيسير المعاملات و إنجازها.
● احرص دائمًا أن تكون حياتك متوازنة، فأنت لديك العديد من الجوانب الأخرى، مثل: التدريس والبحث، وأسرتك، و صحتك.
الرؤية الاستراتيجية:
● احرص على وجود رؤى استراتيجية بمبادرات قصيرة وطويلة المدى، تكون بمثابة خارطة طريق لتحقيق إنجازات تدريسية وبحثية (مثلا: كيف نريد أن يكون القسم بعد ٣ أو ٥ سنوات)،
وأشرك زملاءك في صياغتها بل وفي تبنيها. ضع أهداف سنوية تصب في مجموعها نحو تحقيق أهداف متوسطة المدى تمتد إلى خمس سنوات، ويجب أن تكون تلك الأهداف واقعية قابلة للقياس ولكن طموحة. ومن ثم يُطلع مجلس القسم كل عام على المستجدات وبما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه ويُبحث في أسباب ذلك بشفافية و وضوح.
● احرص على زيارة الجهات الحكومية و القطاع الخاص لإيجاد سبل للتعاون المشترك. إن هذا النشاط بحد ذاته يقرب الجامعة من المستفيدين من خدماتها ويساعد على توطين الخبرات المحلية والتعريف بها لتحقيق أهداف رؤية ٢٠٣٠.
● احرص على التواصل مع أقسام أكاديمية مشابهة في الجامعات الأخرى على المستويين المحلي والعالمي للاستفادة من تجاربهم، ولاتنسى إشراك جميع منسوبي القسم في هذا الأمر.
● اقنع زملاءك بالقسم بتنويع أبحاثهم، فلا يركزوا فقط على الأبحاث المعينة على الترقية أو المعرفة العلمية الجديدة فقط، بل وبتقديم أبحاث نافعة لقضايا المجتمع أيضًا.
● قدّم للمجتمع خدمات وأنشطة حقيقية ذات طبيعة مستدامة، ولا تتعجل في الظهور الإعلامي.
أسلوب الإدارة:
● تصرف كقائد حقيقي وليس فقط كمدير. وتذكر أن إدارة القسم الأكاديمي هي في المقام الأول قيادة بشر (أساتذة، وموظفين، وطلبة) وأن مدخلات الإنتاج هم القوة البشرية المتمثّلة في الأساتذة بشكل أساسي، فهم الذين يقومون بالتدريس وإجراء الأبحاث العلمية وخدمة المجتمع. فعليك أن تدرك أن هذه القوة البشرية ستعاملك (وتعامل المؤسسة) كما تعاملهم. فإن عاملتهم باحترام ورفعت من تقديرهم لأنفسهم، فسينعكس ذلك على أدائهم وعلى كافة مخرجات العملية التعليمية والبحثية.
● من المهم جدًا أن تعي وتدرك منذ البداية أن أعضاء هيئة التدريس هم زملاء لك أو أساتذة لك وليسوا موظفين لديك، فالعلاقة هنا ليست علاقة رئيس بمرؤوسيه، بل إن دورك الحقيقي في القسم هو دور المساند (Facilitator) لزملائك الأساتذة.
● شارك الجميع في المعلومات المهمة المرتبطة بالقسم والخاصة بتطويره وبما يواجهه من تحديات تحول دون تحقيق أهدافه. فمثلًا شارك الأساتذة في بداية كل فصل دراسي ببيانات عن أعداد طلاب القسم ومعدل عدد الطلاب في كل مقرر دراسي ونسبة المتعثرين منهم ومقارنة ذلك مع نسب وأرقام لأعوام سابقة، وغير ذلك من البيانات الإحصائية ذات العلاقة بالنواحي الأكاديمية للقسم من خلال عرض مرئي يقدم في إحدى جلسات مجلس القسم وإعطاء أعضاء المجلس الفرصة للإدلاء بآرائهم، فذلك سيخلق جوًا إيجابيًاوتفاعليًا للجميع ويشعرهم في ذات الوقت بارتباطهم بتطوير القسم.
● تبنى هموم الأساتذة والمصاعب التي يواجهونها واعمل على حلها، والتي قد تكون إدارية أو أكاديمية أو اجتماعية. مثال ذلك متابعة مستحقات الأساتذة وعمل ما يمكن ليتفرغ الأستاذ لعمله الأساسي. إن قيامك بكل ذلك سيساعد في جعلك قائدًا تحظى باحترام و بثقة زملائك.
● رجح المصلحة المؤسسية على المصلحة الشخصية، فلا يراك زملاؤك الأساتذة تمهد لنفسك للحصول على منصب أعلى على حساب مصلحة القسم، ولا يرونك تطلب من البعض كتابة اسمك في أبحاثهم. ولا تنافس زملاءك بالقسم في ماقد يرى فيه تنافسًا غير متكافئ. مثال ذلك: المنافسة على الإشراف على الرسائل العلمية والاستئثار بمساعدي الباحثين وخدمات السكرتارية والإشراف على الاستشارات الخارجية والتمويل البحثي وغير ذلك.
● لا تتدخل في تفاصيل أعمال زملائك، بل قيّمهم بناءً على المخرجات.
● لا تمثل فقط وجهة نظر إدارة الجامعة أمام زملائك، بل مثل وجهة نظر زملائك ودافع عنها أمام الإدارة وفي اجتماعات مجلس الكلية، واحرص أن تنقل رأي زملائك من الأساتذة وليس رأيك الشخصي.
● سوَّق قدرات زملائك بالقسم داخل وخارج الجامعة، ومثال ذلك: ترشيحهم للجان المختلفة والمناصب الإدارية والاستشارية، واذكر مناقبهم وقدراتهم في المجالس المختلفة وأمام الإدارة العليا وفي اللقاءات المعقودة داخل وخارج والجامعة.
● اطلب المشورة من أصحاب الرأي وذوي الاختصاص والخبرة ولاتعتمد على القرارات الشخصية فقط. فمثلًا إذا حصل موقف من أحد الأساتذة – أو مخالفة من أحد الطلبة – يستدعي إجراءً خاصًا، فلا تستعجل بالاستجابة بطريقة فردية، بل استشر أولاً بعض ذوي الخبرة من داخل القسم أو خارجه.
● خذ رأي الطلاب في الخدمات المقدمة لهم، واستثمر طاقاتهم في دعم مسيرة القسم خصوصًا في الأنشطة اللاصفية. واعمل على إنشاء برامج إضافية للطلاب المتعثرين.
● احرص على الرجوع إلى اللوائح والسياسات وتطبيقها في القسم فلا اجتهاد مع وجود لوائح وسياسات. واحرص أن تكون القرارات التي يتخذها مجلس القسم مبنية على معلومات وحقائق، ثم تتوج باستشارة أعضاء مجلس القسم.
● احرص أن تكون شديد المهنية في اختيار المعيدين والمحاضرين أو من يتم استقطابهم، فالتعيين الخاطئ يضر القسم والجامعة على مدى عقود قادمة.
● احرص على تعميق روح ومعاني الجودة الحقيقية في كل العمليات واجعلها همًا وممارسة يومية، وليس مجرد الحصول على شهادة جودة واعتماد شكلي من جهة ما.
● غلّب العقل على العاطفة في اتخاذ قراراتك، فالعقل سيوصلك ويوصل من حولك من الزملاء إلى نتيجة متقاربة بخصوص أمرٍ ما أو قرارٍ ما.
● غلِّف أسلوبك في الإدارة وحواراتك بالاحترام العميق لجميع من حولك.
● حاول أن تحل أي مشكلة كما يحل الأب أي مشكلة داخل أسرته، وما أجمل أن تحل روح الأسرة داخل القسم الأكاديمي.
● رئيس القسم ليس ذلك الشخص الخارق الذي يمتلك الأهلية الكاملة والكفاءة المطلقة، ولذا لابد وأن تُخضع كل القرارات التي ستصدرها والمشاريع التطويرية التي ستتبناها للمداولة والنقاش في مجلس القسم الذي يضم من هم أكثر تجربة وممارسة وخبرة. ووجِّه بعض المهام البسيطة للسكرتارية بدون الحاجة للرجوع إلى رئيس القسم. وأشرك الأساتذة في العمل الإداري، ووزع المهام بتشكيل لجان مصغرة للمهام الرئيسية بالقسم.
● احرص على تزويد أعضاء مجلس القسم ببنود الاجتماع عبر البريد الإلكتروني قبل عقده بقرابة أسبوع، واحرص على استخدام التقنية في عرض بنود الاجتماع.
● احرص دائما على التصويت في حال اختلاف الرأي بين الأعضاء ولا تفرض رأيك.
● كن عادلًا وعلى مسافة متساوية من الجميع، بمعنى لا يشعر أحدهم أنك تعامل البعض معاملة تفضيلية.
● تحكّم في انفعالاتك، وتحلى بالذكاء الوجداني عند التعامل مع الجميع.
● احتوِ الزميل الحاصل حديثًا على الدكتوراه، والذي يحتاج وقتًا للتأقلم مع بيئة العمل وفهمها، واستخدم معه أسلوب الإرشاد (Mentoring).
● احرص على توفير المناخ الإيجابي وتوطيد العلاقات بين منسوبي القسم وتجنب الصراعات، وفي حال نشوء خلافات بين عضوين، اعقد عملية توسط (Mediation) بين الطرفين المختلفين – بكل حيادية – لإيجاد حل نهائي للخلاف.
● احرص على تحفيز الزملاء على التكامل والتعاون بينهم في أبحاث علمية مفيدة للمجتمع المحلي.
● شارك منسوبي القسم أفراحهم وأحزانهم وعيادتهم في مرضهم، وشاركهم في اللقاءات خارج المحيط الجامعي.
وأخيرًا وليس آخرًا، قد يسهل تقبل هذه الأفكار، ولكن التحدي الحقيقي في تطبيقها فعلًا، فهل تطيق ذلك يا سعادة الرئيس؟
مستشار التعلم المؤسسي
بروفسور بكلية الصحة العامة والمعلوماتية الصحية
جامعة أم القرى، مكة المكرمة
مقال مبسط وواقعي. هناك اضافع بسيطه. انه قبل تعيين رئيس القيم يجب ان ياخذ دورات في الأداره الفعاله والتواضع والتواصل الفعال. هذه النقاط ضروري توفرها
مقال رائع يستحق القراءة واتمنى ان يستنير به كل من يتقلد منصبا اداريا.
للاسف الخطأ اذا خصل خلل او تقصير ليس ممن يتم تعيينه بل فيمن عينه وعلى الشواهد التي ارتكز عليه عند تعيينه. هل وجد في الشخص صفات القائد الحقيقي؟ ام ماذا كانت مؤهلاته؟ احيانا تكون الكاريزما السبب اما لبروز الشخص لكونه اجتماعي او يحب الظهور بشكل ملفت يشد الأنظار ويرسم وهما بانه يستطيع قيادة من قد يكونون اكثر نضجا لكن لعمق نضجهم لا يظهرون للعيان. او لانه يمتلك شخصية المطيع الذي يفضله الرؤساء لقلة تضجره ومطالباته، فمن يسعى لمصلحة من حوله حقيقة يحتاج ان يمتلك صفات المحارب العاقل وهو غير محبوب في الإدارات العليا.
بدا لي ماكتب بديهي وغياب كثير منه لن يكتسب بدورات او غيره وستمضي فترة التعيين تجارب ضحيتها الاعضاء والطلبة.
اتمنى لو كتبت مقال حول كيف تختار القائد الحقيقي ومن يختاره. اليسوا الاعضاء اكثر معرفة بمن سيخدم مصلحة قسمهم او كليتهم؟
اشكرك على طرحك وموضوع يحتاج فعلا لتكثيف النقاشات حوله “القيادات الاكاديمية”.
وفقكم الله ونفع بكم.
ابدعت يا بروف.. كلام من ذهب.. نحن بحاجه بالمجتمع الجامعي لمثل هذا الوعي الاداري.. شكرا لك
أحسنت اخي بروف زكي صديقي في سؤالك وتحليل الإجابات الواردة وأود أن أشارك ببعض الأفكار البسيطة التي أستفتدها خلال تأسيسي لجامعة الباحة ومن المجلس العلمي ورئاسة قسم الأحياء ومجلس الكلية فأقول وبالله التوفيق أرى أن يركز عند التعيين أو التكليف أو الترشيح الإعتماد على الإنتاج العلمي والتدريس الأكاديمي وشخصيته وسمعته وعلاقاته مع زملائه وطلابه ورأي القسم فيه مع المطالبة بأن يضع تصورا ملخصا لفكره وأهدافه ورسالته التي سينتهجها ويسعى لتحقيقها كل ذلك سيكون له الأثر الأكبر ورافدا قويا في تأكيد القرار الصادر بحقه وأرى أن تكون هنالك متابعة كل ستة أشهر ليس للمراقبة ولكن للمساعدة ولتذليل الصعوبات التي ستواجهه وتكون معرقلة لتحقيق رسالته والتي أجملها في الروتين الإداري المعقد وتفضيل كلية وقسم على الآخر لأسباب متنوعة ولقلة الميزانية أو لانتهاء البند علما أن البند يغذي مكانا آخر وهذه خلاصة خبرة عايشتها واقعا ولكن كما يقال الفرد ليس كالمجموعة لأنه سيتعب في منتصف الطريق خصوصا لو كان له كارهين في القسم أو أي مكان آخر حسدا من عند أنفسهم أو من المغرضين الذين يكون شغلهم الشاغل إرسال رسائل كيدية مغرضة في شتى وسائل التقنية لتعطيل التغيير والنجاح ولأن ذلك يهدم مصالحهم وهذه مشاركتي والله ولي التوفيق أخوكم بروفيسور حامد محمد متولي 0505522150 قسم الأحياء