بالأمس أثارت فاجعة رحيل إنسانٍ عزيز على قلوبنا فكانت مفاجأة غصة في الحلق، وانحسارًا لمدد القرابة الكريمة، وانطفاءً لومضة نبل إنساني. وإذا اجتمع في المرء النبل، وعمل الخير وكرامة النفس، وحب الخلق؛ فقد ترك الدنيا وهي في أحسن حال .. وفي هذا عزاء وأي عزاء.
لا شيء أصعب من فقدان عزيز لنا، ولا يوجد كلمات تعبِّر عمّا في دواخلنا، ولا يسعنا سوى أن نرضى بقضاء الله فالموت علينا حق لا مفر منه.
اخترم الموت يوم أمس الثلاثاء الموافق 23/05/1440هـ المربي الأستاذ/ السيد بكر بن عبدالله الجفري بعد صراع طويل مع المرض، وكان مؤمنًا محتسبًا صابرًا على قضاء ربه وقدره، وقد شيع جثمانه جموع غفيره من أهله وأقاربه وذويه ومحبيه إلى مثواه الأخير، ووري الثرى بمقبرة المعلاه في مكة، ودعا له الجميع أن يتغمده برحمته ومغفرته، ويدخله فسيح جناته.
يعد السيد بكر -رحمه الله- أحد أبرز رجالات الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة؛ فهو قامة رفيعة ورمز من رموز الرياضة في مكة المكرمة .. هذا المربي القدير يتحدر من نسب كريم وعائلة شريفة، عرف عنها الاهتمام بالعلم والتعليم، وسمو الأدب والخلق الرفيع، استطاع أبناؤها الوصول إلى مراتب متقدمة ومراكز عالية، وما ذلك إلا بفضل الله أولًا، ثم بحسن تربيتهم وجهدهم وصبرهم وإصرارهم وقوة عزيمتهم.
هذا الرجل الذي عمل معلمًا ومشرفًا تربويًا، ورئيسًا لقسم التربية الرياضية، وقد تبوأ وتقلد العديد من المناصب والمراكز القيادية على مستوى الإدارة وفي مجال الرياضة وعمل بكل تفانٍ وإخلاص .. عرفناه عن قرب كزميل وأخ وقريب عزيز بدماثة أخلاقه وحسن تعامله .. بذل جهده لخدمة دينه ومجتمعه ووطنه طوال فترة عمله .. تميز السيد بكر -رحمه الله- بأسلوبه الهادئ، وفكره الواسع وثقافته في شؤون الحياة والخبرة التي جعلته محط أنظار كل من عرفه أو جلس معه .. عهدته شخصية قيادية رائعة لاقت احترام وإعجاب الجميع، وشهد كل من عرفه، وعمل معه بقدرته على إنجاز ما أوكل إليه من عمل .. تميّز بالعطاء والوفاء بذل من وقته الكثير كناصح ومحب للجميع، متفهم لبق، واسع الثقة، حاضر الذهن، طابعه الصمت والاتزان، جاد في أداء عمله، يجبرك على تقديره بكريم سجاياه وطبعه، فقد كان إداريًا ناجحًا، ومسؤولًا حاضرًا واعيًا، يمتلك نظرة ثاقبة، يشهد له القاصي والداني بقدرته لوزن الأمور ووضعها بما تستحقه ودرايته بجوانب القضايا التربوية التي تعصف بها الساحة التعليمية ومهارته في حسن علاجها وحلها.. قضى معظم وقته وسعى جاهدًا لخدمة هذا البلد الكريم؛ كونه أحد أبناء مكة المكرمة ومسقط رأسه، نشأ وترعرع بين جنباتها وأحضانها فقد كان وفيًا أمينًا ومخلصًا لأبنائها وأهلها من خلال وقوفه الدائم وعطائه المستمر لنادي الوحدة الرياضي، والمساهمة الفعالة في تطوير مستوى هذا النادي، وله إسهامات شتى ومشاركات عدة في المنتخبات الرياضية السعودية سواءً كانت على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي .. مسيرة عطرة بالعطاء والوفاء، وعنوان من الأخلاق والقدوة الحسنة.
ولا يسعنا إلا أن نتقدم بأحر التعازي وأصدق المواساة لأسرته الكريمة، وأبنائه، وأخواته، وإخوانه السيد محمد والسيد ياسين، والدكتور عمر، والدكتور علي وذوي الفقيد، وكل من يعز عليه، وأن يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
ونسأل الله تعالى أن يجعل ما قدّمه طوال سنوات خدمته في ميزان حسناته يوم الدين، وأن يتغمده بواسع رحمته، ويجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة .. فلك منا أبا بندر خالص الدعاء على ما قدَّمت من زهرة شبابك وسنوات عمرك وندعو لك عن ظهر الغيب أن يبارك الله لك في أهلك وولدك وذريتك، ويجزل لك الأجر والثواب ..
إنا لله وإنا إليه راجعون .