د. عبدالحفيظ محبوب

هل نجحت إيران وحلفاؤها في تصوير مؤتمر وارسو من أنه تطبيع مع العدو الإسرائيلي؟

حاول البلد المضيف بولندا توسيع إطار البحث والنقاش بما يواجه أمن وسلام بلدان الشرق الأوسط، لكن كان هناك تلخيص وزير خارجية أميركا مايك بومبيو مقتضبًا وواضحًا عندما قال من أن المؤتمر يبحث في الوضع في لبنان أو اليمن أو سوريا أو العراق، لا يمكن ذلك دون التطرق إلى الدور الإيراني.

نجحت الولايات المتحدة في تجييش العالم الذي حضر المؤتمر من جميع أنحاء العالم، من أن إيران هي التحدي الأبرز للأمن والسلم الذي لم يعد جائزًا أن يتعامى العالم عن الأخطار الإجرامية التي نتج عنها الإرهاب في الشرق الأوسط، والتي امتد أثرها إلى أوروبا في فرنسا وبلجيكا والدنمارك وغيرها، ووصلت إلى أفريقيا ودول أمريكا الوسطى.

نجحت الولايات المتحدة في فضح السلوك الإيراني حتى جعلته تحت المجهر العالمي، وفضحت أمريكا إيران التي تفتعل الحروب الداخلية وإنشاء المليشيات، ففي العراق أنشأت أكثر من 67 مليشيا، وفي لبنان أنشأت في فترة مبكرة جدًا حزب الله الذي يشرف اليوم على الحرب في سوريا، والقائد للمليشيات القادمة من العراق وأفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى للمشاركة في الحرب في سوريا، بل إيران لديها شراكات مع عصابات الجريمة المنظمة في تهريب المخدرات.

طالبت الولايات المتحدة العالم إلى ضرورة توحيد الجهود، وحذر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس من أن إيران تجاوزت كل الخطوط الحمراء فقط من أجل إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية، إذ إن العالم لم يعد في عصر الإمبراطوريات، ولم تتأمل إيران من سقوط الإمبراطورية الروسية بالأمس ولم تشفع له امتلاكه عشرات الآلاف من الصواريخ النووية، وقدرات الاتحاد السوفيتي الجيوبولتيكية من مساحة وموارد طبيعية لا توجد دولة في العالم تمتلك ما يمتلكه الاتحاد السوفيتي، رغم ذلك انهار وتفكك.

يعاني الشعب الإيراني نتيجة السياسات الرعناء التي يمارسها الملالي، والتي صدرها إلى دول المنطقة، خصوصًا في العراق، فكما تسبب الملالي في جعل 30 مليون إيران تحت خط الفقر، أصبح معظم الشعب العراقي تحت خط الفقر، ما عدا المراجع الدينية والأحزاب الطائفية التي تقاسمت ثورة البلد، وأصبحوا يتحكمون في ولادة الحكومات المتتالية التي كانت صورة لتلك الأحزاب للحفاظ فقط على مكتسباتهم.

تريد إيران أن ينسحب هذا على لبنان وسوريا واليمن وهو ما أخر تحرير اليمن من الحوثيين، لأن السعودية تقف بالمرصاد لهذا المشروع المدمر للدولة وللأمن الإقليمي من أجل تحقيق إيران فقط الإمبراطورية الفارسية.

مؤتمر وارسو وجه رسالة تحذيرية للملالي من أن العالم سيضع خطط المواجهة للأخطار المدمرة والمهددة للسلم والأمن الإقليمي والعالمي، وبعدما اعتاد حزب الله عن التصويت على الحكومات الحريرية السابقة اليوم يمنح الثقة للحكومة الحريرية الحالية، رغم أن البعض يعتقد بعدما شكلها حزب الله وفق شروطه، لكنها في الحقيقة هي تهدئة إيرانية، وتسلمت لبنان يوم مؤتمر وارسو شحنة من الصواريخ الأميركية بقيمة 16 مليون دولار للطائرات التي أهداها الجيش الأميركي للبنان، وكان إعلان الموفد السعودي إلى بيروت قرار رفع الحظر عن سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان.

في مقابل مؤتمر وارسو حاولت إيران القيام بحملة على المؤتمر، واعتبرته مؤتمرًا كان للتطبيع بين الدول العربية والعدو الإسرائيلي انطلاقًا من المشاركة الإسرائيلية بشخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خصوصًا وأن وزير خارجية اليمن كان بجوار رئيس الوزراء الإسرائيلي، مما أعطى ملالي إيران الفرصة لذر الرماد في العيون، ونسيت إيران أن تدميرها للمنطقة العربية أكثر من تدمير إسرائيلي، بل أضعاف مضاعفة بدلًا من تكريس التعاون والانسجام بين الشعوب.

إيران تصدر الخرافة والجهل إلى المنطقة، وما فعلته لم تفعله إسرائيل، والمؤتمر رعته الولايات المتحدة وليس العرب حتى يكون لهم رأي في بروتوكولات المؤتمر، وفي نفس الوقت العرب في حالة من الانهيار والتفكك والتفتت التي ورثته بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي التي لا يزال البعض يدافع عنها من أنها ثورات الشعوب، بسبب أن تلك الثورات الشعبية لا تمتلك الجاهزية لتسلم الحكم، بينما سرقة تلك الثورات منهم من قبل جماعات إقصائية غير قادرة على ممارسة حكم الدولة الوطنية، وكانت تطمح لتحقيق مشروع الخلافة.

رغم أن إيران بدأت تخضع للمطالب الأمريكية، خصوصًا بعدما نجحت روسيا بأن تبعد إيران عن الجولان 100 كيلو متر، وإيران مستعدة للخروج من البوابة الرسمية عندما تعلن دمشق من أن سوريا انتصرت، رغم أن إيران حاولت تركز على أن الولايات المتحدة تحلب المنطقة، وخصوصا منطقة الخليج، وذلك في خطاب ظريف وزير خارجية إيران في مؤتمر ميونخ للأمن، الذي أكد أن منطقة الخليج دفعت 100 مليار دولار وهي ما توازي سبعة أضعاف ما تنفقه إيران، واعتبر أن الولايات المتحدة هي التي تقوض أمن المنطقة.

خصوصًا بعدما فشلت إيران في اللعب على الفجوة بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لكن الاتحاد الأوروبي وضع عقوبات على أعضاء في الاستخبارات الإيرانية التي تمسك بعصا الاقتصاد الإيراني، أي أن تلك العقوبات تضرب الاقتصاد الإيراني في العمق، ما يعني أنه يصطف إلى جانب الولايات المتحدة رغم الخلافات البينية حول الاتفاق النووي.
لكن السعودية فوتت على إيران من تصويرها لمؤتمر وارسو من انه دعوة للتطبيع بين العرب وإسرائيل، عندما استقبلت على أعلى مستوى إبان مؤتمر وارسو بالذات الرئيس محمود عباس، وحرص الملك سلمان تأكيده لعباس التمسك بالمبادرة العربية للسلام وبالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

في النهاية النظام الإيراني ما زال يعيش حالة من الأوهام في محاولاته اليائسة والحثيثة لتركيع العرب، وبالفعل لا كسرى بعد كسرى اليوم وهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( هلك كسرى ثم لا كسرى بعده )، ولم يكن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم على ملوك الأرض، لكن بعدما مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودهسه برجله الذي سلمه بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي، ويقول كسرى بكبر وخيلاء بغيض عبد من عبادي يبدأ كتابة نفسه قبلي، ويطرد سفير النبوة، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بقوله اللهم مزق ملكه، وما لبث أن قتله ابنه الكبير شيرويه فقال صلى الله عليه وسلم: ( هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم وبي نصروا ).

الفرس يعانون من عقدة بات لها 1400 عام من المجد التليد متى يعود، ومن يتتبع تاريخ الدولة الإسلامية سيلاحظ كل شعوب الإسلام خرجت لنا قادة حملوا بأمانة واقتدار لواء الإسلام ورايته وتوسعه، وأصبح المسلمون يفاخرون بهم، فطارق بن زياد من البربر، ونور الدين زنكي من التركمان، وصلاح الدين الأيوبي من الأكراد، ومحمد الفاتح من العثمانيين، في حين لن نجد من ينحدر من دولة فارس أي علامة فارقة في جسد الأمة الإسلامية، بل ظهر منهم من هو معول هدم ومؤامرة مع العدو على بلاد المسلمين، ولنا في زفرات التاريخ البرمكي، والعلقمي، والصفوي، الزاخر بنفحات الغدر والخيانة، بالطبع لا يمكن لنا التعميم فهناك من هم مخلصون لدينهم وأمتهم الإسلامية.

فالمشروع التليد للقوم لن يتحقق ما دامت هناك دولة سعودية قائمة في شبه الجزيرة العربية، وهي كرست كل مقدراتها لخدمة الحرمين الشريفين، مهما حاولوا تشويه سمعة السعودية وحكامها بالتعاون مع أعداء السعودية الصهيوفارسي فلن تكون هناك كسرى بعد كسرى تحقيقًا لنبوءة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button