نزعة الإلحاد ليست بجديدة؛ فهي دائمًا ظاهرة موجودة وفي جميع المجتمعات وعبر التاريخ، لكنها تظل غريبة جدًا وليست شائعة في المجتمعات الإسلامية. ومبعث الغرابة في إلحاد المسلم هو أن الإسلام يجيب عن الأسئلة الوجودية الصعبة، وأسئلة ما بعد الموت على سبيل المثال، وبالتالي فإن الإسلام يخلق اطمئنانًا روحيًا أكثر من كافٍ عند معتنقيه؛ بدليل قلة أعداد المسلمين الذين يتحولون إلى أديان أخرى مقارنة بالأعداد الكبيرة من أصحاب الديانات الأخرى الذين يعتنقون الإسلام عن قناعة ودون إكراه، بمن فيهم بعض ملحدي الغرب وفلاسفته أمثال: الفرنسي روجيه جارودي، والألماني مراد هوفمان، والأمريكي مالكوم إكس، والمغني الإنجليزي ستيفن كاتس أو يوسف إسلام لاحقًا والقائمة تطول عمومًا.
ولتقصي أسباب الإلحاد، ومن خلال عصف ذهني مع بعض الزملاء والمتخصصين، فإنه يمكن القول بأن أسبابه متعددة؛ ومنها شيوع التزمت الديني في المجتمع بصورة تنفر الفرد من الدين؛ فيستخدم الملحد أو الخارج عن الدين الإلحاد أداةً للتعبير عن تمرده على نواميس المجتمع والكبت الذي يعانيه في مواجهة التزمت الديني الصارم، وهنا يصبح الإلحاد ليس هدفًا بحد ذاته، ولكنه وسيلة. بمعنى أن الإلحاد ليس قناعة فكرية عند الفرد، ولكنه إلحاد مظهري وهش ما يعني كذلك إمكانية تراجع الملحد عن إلحاده في مرحلة ما أو في مكان ما.
الاضطهاد السياسي قد يكون كذلك محفزًا آخرًا للإلحاد، وإذا ما توفر في مجتمع ما تزمت ديني وكبت سياسي، فإن فرص زيادة أعداد الملحدين قد ترتفع في ذلك المجتمع؛ خاصة عندما تتضاءل فرص الهجرة أمام من يعانون من التزمت الديني والاضطهاد السياسي؛ فالبعض قد يتذرع بإلحاده وسيلةً للحصول على لجوء سياسي إلى دولة ما خاصة عندما يعيش في دولة تجرّم الإلحاد، وتعاقب عليه.
أما الإلحاد الشائع فقد يكون مبعثه الشك الدائم في المعتقدات عند بعضهم؛ فيعلن الملحد بداية أنه “لاديني” atheist يعقبه إلحاد سافر ينكر فيه بعض أو كل الغيبيات، وربما عن “قناعة زائفة”. هذا النوع من الإلحاد قد يكون مبعثه هشاشة التربية الدينية عند الفرد ابتداءً، والشعور بالفراغ الروحي والحيرة الفكرية، وهيمنة بعض الأفكار العدمية nihilism تحت يافطة حرية التفكير والاختيار. يضاف إلى ذلك أن انتماء الملحد إلى مجموعة من الملحدين وبعض الجمعيات العالمية قد يوفر له “جماعة مرجعية” تحد من تراجعه عن إلحاده بحكم أن هذه الجماعات ستكون بمثابة دعم له support group، وقد تكون هذه الجماعات منظمات أو جمعيات تتدثر برداء حقوق الإنسان ودعاوى حرية الاختيار.
سبب آخر للإلحاد قد يكون بسبب التأثر بملحدين لهم قبول كبير في الوسط الثقافي والعلمي؛ ليس بسبب إلحادهم ربما، ولكن لإسهاماتهم في بعض حقول المعرفة كالرياضيات أو الفيزياء أو أي فرع آخر من العلوم (برتراند راسل كمثال). وقد يكون التأثر بكتّاب وروائيين وشعراء أو فنانين ممن يسهل الوقوع تحت تأثير أطروحاتهم وتقليعاتهم من قبل الناشئة تحديدًا بسبب بريق أفكارهم وشهرتهم الواسعة.
وتظل التربية الدينية الوسطية ومنذ سن مبكرة ضمانة مؤكدة للحد من لوثة الإلحاد وخلق الطمأنينة الروحية عند الفرد؛ إضافة إلى تحسين شروط الحياة، والعيش الكريم.