على الرغم من أن العلاقات السعودية مع آسيا لها تاريخ طويل، إلا أن العديد من المراقبين يثيرون أسئلة حول الزيارات الأخيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى ثلاث من أكبر وأقوى الدول في القارة.
فيما يلي ملخص للمنطق والمصلحة وراء كل زيارة.
لماذا باكستان؟
منذ استقلالها عن الإمبراطورية البريطانية والانفصال عن الهند، شكلت المملكة العربية السعودية وباكستان تحالفًا قويًا قائمًا على تاريخ طويل مع شبه القارة ودينهما المشترك – الإسلام.
ظلت باكستان منذ إنشائها واحدة من أكبر وأقوى الدول الإسلامية، وعضو مؤسس في الرابطة الإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي).
لقد عمل الباكستانيون باجتهاد للمساهمة معنا في تطوير وبناء بلادنا؛ لتصبح واحدة من أكبر الاقتصادات العالمية. ويعيش بيننا اليوم حوالي مليونين ونصف المليون من العاملين، ناهيك عن ملايين الزوار للحج والعمرة والأعمال التجارية والزيارات العائلية. كما وقف أشقاؤنا معنا للدفاع عن أرض الإسلام كلما تعرضت للتهديد، ولتحرير الكويت. وباكستان اليوم عضو قوي في التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب.
دعمت المملكة باكستان خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان. ساعدنا في استيعاب ملايين اللاجئين الأفغان، وكانت مساهمتنا حيوية في تحرير بلدهم. الاستثمار السعودي في الجيش الباكستاني وصناعة الطاقة يعتبر الأكبر بين الاستثمارات الدولية – إلى حد بعيد. وارتفع أكثر خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة.
باكستان جارة استراتيجية. يقع ساحلها على الجانب الآخر من بحر العرب بالقرب من موانئنا على الخليج العربي. ميناء جوادار؛ حيث تتعاون السعودية وباكستان والصين لبناء أكبر مصفاة للنفط في العالم بتكلفة 20 مليار دولار، تقع على نهاية طريق الحرير البري، وبالقرب من المدن الصناعية الصينية.
ستبقى باكستان والسعودية دومًا من أقوى أركان الاستقرار والتنمية والسلام في منطقة الخليج وبقية العالم الإسلامي.
لماذا الهند؟
منذ آلاف السنين، كانت الجزيرة العربية تمثل للهند الطريق السريع إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. تحمل السفن الشراعية البهارات والسلع المصنعة إلى اليمن، ثم تنقلها بقوافل الإبل إلى مكة المكرمة، ومنها إلى بلاد الشام ومصر والإمبراطورية الرومانية. كما كانت تصل السفن إلى موانئ الخليج العربي في طريقها إلى العراق، والبحر الأبيض المتوسط.
اليوم، تمثل المملكة رابع أكبر الشركاء التجاريين للهند، وأكبر مصدر للنفط إليها. وتصل استثماراتنا المشتركة الجديدة إلى مائة مليار دولار، بما في ذلك أكبر مصفاة نفطية بمواصفات ومعايير بيئية في العالم. ويعمل بيننا مليونان ونصف المليون من الهنود يساهمون في نهضة البلاد. ويزور ملايين آخرون الأراضي المقدسة كل عام.
تدعم الهند القضايا العربية. وقد وقفت دومًا إلى جانب العرب في فلسطين وصوتوا لنا في كل قرار للأمم المتحدة. لم يسبق أن حصل بينا أي نزاع. فبعكس إيران، بقيت الهند بعيدة عن التدخل في الشؤون العربية، ولم تسعَ يومًا لتصدير الإيديولوجيا والإرهاب كما تفعل جارتنا الفارسية.
زيارة ولي العهد ترقى بعلاقاتنا التاريخية إلى مستويات أعلى. تتركز الاستثمارات السعودية في مجال الطاقة المتجددة، ومصافي النفط، وصناعة البتروكيماويات والتكنولوجيا بالإضافة إلى العديد من من مشاريع البنية التحتية والفوقية، مثل: الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطرق السريعة. كما تستثمر الهند في مشاريع الرؤية ٢٠٣٠ وخاصة في المجالات البتروكيمائية والطاقة المتجددة.
حتى الآن عوائد استثماراتنا مربحة ومجزية. ولذا فقد كان من المنطقي أن نواصل الاستثمار في واحد من أسرع الاقتصادات نموًا، وأكبر ديمقراطية وثاني أكبر بلد مأهول بالسكان في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن جيرة الهنود طيبة، مسالمة وتكن لنا الاحترام. لا يزال الغرب يستفيد من الجزء الأكبر استثماراتنا الخارجية، ولكن الميزان على وشك التبدل.
لماذا الصين؟
الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم. التعاون بيننا كبير في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات الفضائية وإنتاج الأغذية. وهم استثمروا بقوة في مدننا الصناعية كجازان وينبع، بالإضافة إلى البنية التحتية والبنية الفوقية. واستثمرنا نحن في العديد من القطاعات الصينية مثل الطاقة والبتروكيماويات والتعليم والبحث العلمي واستكشاف الفضاء.
ومن أكثر ما يثير اهتمامنا طريق الحرير الصيني، البري والبحري. فهو أعظم مشروع في الألفية الجديدة، إذ يربط ستين بلدًا في ثلاث قارات، آسيا وإفريقيا وأوروبا، ويمثل 60٪ من سكان العالم الذين يزيد عددهم على أربعة بلايين نسمة، ويخدم ثلث الاقتصاد العالمي.
سوف تستفيد المملكة بشكل كبير من موقعها الاستراتيجي في قلب العالم، حيث تقع بين القارات الثلاث. كما أنها شريك تجاري رئيسي لاقتصادات العالم الكبرى.
لقد كان الشرق دائمًا واعدًا وصديقًا وبيننا روابط ثقافية وعلاقات تاريخية عميقة. التحول إلى حيث تشرق الشمس بدأ منذ عقود. وفي السنوات القليلة الماضية، سعت حكومة الملك سلمان وولي عهده الأمين لتطويرها على نحو غير مسبوق. ولا يبدو الأمر مجرد ميل سياسي واقتصادي محدود، وإنما تحول جذري نحو توازن استراتيجي بين الشرق والغرب.
تحليل جدا جميل حول زيادة ولي العهد الى قارة اسيا والاستراتيجيات الجديدة في الوضع الاقتصادي.