المقالات

حراك سعودي جديد

التاريخ الذي لا يغير، ولا يتغير، ويمر دون أي ذكريات أو ملامح جديدة أو تغيير أو تحديث هو تاريخ ممل ومثقل بالألم والقبح، ومن يستعرض تاريخ الجزيرة العربية يجد أنه تاريخ متبدل ومتغير في تطور حضاري مستمر منذ أن هاجر النبي -صلى الله عليه وآله سلم- من مكة إلى المدينة، بدأ عهد مدني جديد ودولة حديثة، وعمل مستمر، واقتصاد حر، ودولة حديثة، وبناء اجتماعي متماسك، ومفتوح يتعايش مع الأديان والثقافات والدول من حوله، ومن هنا كانت الوثيقة المدنية دستورًا نبويًا لدولة حديثة تحدد الحقوق والواجبات، وترسم معالم الطريق لمجتمع مدني معاصر يقول المستشرق الروماني جيورجيو: “حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندًا، كلها من رأي رسول الله. خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده”.

وعبر تاريخ الحضارة الإسلامية، ربط هذا التاريخ القبائل العربية برباط العروبة والإسلام ووحدها تحت راية واحدة وحتى التاريخ السعودي المعاصر الذي بدأ بدولة صغيرة من عمق الصحراء، جمعت القبائل المتناحرة مرة أخرى على رباط العروبة والدين، واستمرت الحركة السعودية في تغيير مستمر سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وظهر حراك ثقافي واجتماعي وحوار وطني بعد فترة من إرساء قواعد نهضة قضت على الإرهاب، وجففت منابعه، ونشطت في محافل دولية وعربية؛ مما لفت لها الأنظار مرة أخرى ما يحدث في السعودية اليوم هو وجه حراك جديد، لكنه مقسوم بين وجهتين علمانية ودينية تتنازعان في صراع بارد يمكن أن ينصهر يومًا ما في رؤية جديدة، تقف في منتصف الطريق بين الليبرالية والإسلام، تجمع بين الأصالة والتحديث، تتطلع لمستقبل سياسي واقتصادي واجتماعي جديد مع المحافظة على الميراث النبوي؛ لأن الانحراف الحاد نحو إحدى الجهتين والجانبين من الوجه المقسوم له آثار سلبية في المستقبل البعيد، لكن التوازن والتدافع برفق والحوار الثقافي يجعل الحراك السعودي مقبولًا داخليًا وخارجيًا وغير متصارع مع نفسه أو متنافر فاللحمة الوطنية أهم من توجيه البوصلة نحو توجه طرف منفرد ومتسلط.

معالجة التطرف والاستفراد بالرأي الواحد والاستقطاب لاتكون بتطرف آخر مزعج أو باعث على النفور والرفض.

ما أجمل الوسطية في كل شيء، وما أجمل أن يكون الوجه السعودي محافظًا على تراثه الديني والاجتماعي، والثقافي نحو مستقبل حديث قوي وناهض؛ ليكتب له الاستمرارية وكسر جمود حركة التاريخ الممل.

فالدول الحديثة التي نهضت كانت تقوم على أسس قوية وقواعد ثابتة من إرثها القديم وحضارتها الضاربة في عمق التاريخ البشري أنتجت حضارة معاصرة متجددة بوجه متناسق وبعد عميق، وإن كان لا يخلو من غبش الاستبداد والعنف تحت شعارات الديمقراطية البراقة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button