تُعد المنشآت التعليمية وأولياء الأمور هما الطرفان الأساسيان في المنظومة التعليمية، وبناء شخصية الطالب، والوقوف على متطلباته واحتياجاته التي تساهم في تطوير مستواه التعليمي والتحصيلي، وتهيأته نفسيًا ومعنويًا وعلميًا لتجاوز كل ما يمكن أن يواجهه من عقبات، ومن هنا فإنه يتحتم على الطرفين التواصل المستمر بكافة الطرق والوسائل التي تساهم في تحقيق هذا الهدف، وتأتي مجالس الآباء التي تعقد في المدارس لتكون هي الطريقة المثلى لتحقيق ذلك، فهي لم تأتِ من فراغ وإنما جاءت كضرورة ملحة لربط المدرسة بالأسرة والمجتمع المحيط؛ لذا فإنها تعتبر حلقة وصل للارتقاء بالمنظومة التعليمية، والوصول بها للغايات والطموحات المنشودة؛ حيث يمكن من خلالها مناقشة الوضع التعليمي، والسلوكي، والاجتماعي للطلاب من قبل الطرفين، وتحرص وزارة التعليم ممثلة في المدارس على عقد لقاءات دورية مع أولياء أمور الطلاب لتحقيق هذه العملية التكاملية، والتي من خلالها يمكن للجميع أن يعرف دوره بالتحديد، وما الذي يقوم به؟ وإلى أين سيصل؟ وكيف يمكنه تفادي المشاكل؟ وحلها في حال وقوعها.
ولكن مع الأسف فإن معظم مجالس الآباء في مدارسنا فقدت أهميتها، ولم ترتقِ إلى مستوى التطلعات، ولم تحقق الهدف منها، فهي بحاجة إلى تفعيل ومصداقية أكثر مما هي عليه، فمعظم الاجتماعات التي تعقد في المدارس (ولا أقول جميعها) أصبحت عبارة عن اجتماعات صورية أو خطابية، لإلقاء الكلمات أو العبارات الرنانة والدعائية أو لاستعراض الأنشطة الثانوية، والتي هي ليست من أساس العملية التعليمية، كما أن بعض المدارس تقوم بعقد هذه الاجتماعات لأداء واجب فقط، دون النظر للهدف الذي وجدت من أجله !!
إن مجلس الآباء يُمثل أهمية كبيرة لمسيرة الطالب، ويبني جسرًا مهمًا للتواصل بين المدرسة والأسرة على أساس من الثقافة والاحترام، فنقاش أولياء أمور الطلاب مع المعلمين بصورة مستمرة حول الأمور المتعلقة بالأداء السلوكي والتعليمي للطالب يعزز العلاقة بين كل منهما، ويركز على أهميتها، ويساهم بشكل كبير في تطوير مستوى الطالب وتفوقه ونجاح سير العملية التعليمية بالصورة المطلوبة.
وفي المقابل؛ فإن هناك عزوفًا نسبيًا من قبل بعض أولياء الأمور عن حضور مثل هذه الاجتماعات، لقناعتهم بعدم جدواها أو لاعتبارها إضاعة للوقت، وذلك ما يشير إلى عدم تفعيلها بالشكل المطلوب أو إعطائها أهميتها من قبل الجهات المسؤولة؛ حيث لو تم إعطاؤها الأهمية المطلوبة، ولو اقتنع ولي الأمر بأنه سيخرج بمعلومات قيّمة تفيده في تحسين مستوى أداء ابنه تعليميًا وسلوكيًا، فإن كل ولي أمر سيكون حريصًا على الحضور والمشاركة، لكي يعلم ماذا يدور داخل المدرسة التي يقضي فيها ابنه نصف يومه تقريبًا، والمشاكل التي يتعرض لها داخل المدرسة أوخارجها والعقبات التي قد تواجهه، وتؤدي الى ضعف تحصيله العلمي.
ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع الدعوة التي تلقيتها خلال الأيام الماضية لحضور مجلس الآباء في مدرسة ابني، وحقيقة الأمر فبعد حضوري لم أخرج بانطباع إيجابي عن الاجتماع، ولم أجد خلاله ما يشكل أهمية سوى بعض المبادرات التي قدمها مدير المدرسة؛ حيث أنتهز هذه الفرصة لأقدم لسعادة قائد مدرسة ذو البجادين المتوسطة بمكة المكرمة ووكلائه الكرام الشكر والتقدير، على جهودهم المخلصة رغم محدودية صلاحياتهم، فقد استشعرت مدى رغبتهم، وحرصهم على تطوير أدائهم في العملية التعليمية والتربوية، من خلال تحقيق العديد من المبادرات الجديدة والأفكار المبتكرة التي يمكن أن تعود على المدرسة والبيئة بالنفع، والتي حتمًا ستساهم في بناء جسور التواصل بين البيت والمدرسة وبأساليب علمية واعية، وبما يؤكد مدى حرصهم على أداء رسالتهم النبيلة، فكل الشكر والامتنان والتقدير لهم على تفانيهم وإخلاصهم في عملهم الرائد، ودورهم الذي حتمًا سيكون له بصمة واضحة ورائعة فيما يقدمونه من مبادرات.
إننا جميعًا ندرك تمامًا أن اجتماع أولياء الأمور مع المدرسة والمعلمين هو فرصة جيدة؛ لتبادل الأفكار، وتقديم المقترحات، ومناقشة كافة الجوانب التعليمية والتربوية المتعلقة بأبنائنا الطلاب، وتعميق الصلة بين البيت والمدرسة، ونشر الوعي التربوي بين أولياء الأمور، وكذا توضيح دور كل من المدرسة والأسرة، وإيضاح أهمية التعاون فيما بينهما للحفاظ على مستوى الطلاب من خلال التخطيط للأنشطة المدرسية، وإيجاد الحلول التربوية والعلمية لتخطي الأزمات التي قد يتعرض لها الطلاب داخل الصفوف الدراسية، وإعطاء أولياء الأمور الفرصة لإبداء مرئياتهم ووجهات نظرهم في تطوير العملية التعليمية، والحفاظ على أبنائنا الطلاب الذين يشكلون محور تلك العملية.
وختامًا أرجو من مقام وزارة التعليم النظر في أهمية تفعيل مجالس الآباء، وتعزيز فكرتها، والعمل على إيجاد شراكة فاعلة بين المدرسة وأولياء الأمور، ومنح مساحة أكبر لمدراء المدارس في اتخاذ القرارات المناسبة، وعدم توحيد الأنظمة بشكل تقليدي، باعتبار اختلاف الظروف من مدرسة لأخرى.